باب ما جاء فى المحاربة

باب ما جاء فى المحاربة

حدثنا أحمد بن محمد بن ثابت حدثنا على بن حسين عن أبيه عن يزيد النحوى عن عكرمة عن ابن عباس قال (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون فى الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض) إلى قوله (غفور رحيم) نزلت هذه الآية فى المشركين فمن تاب منهم قبل أن يقدر عليه لم يمنعه ذلك أن يقام فيه الحد الذى أصابه.

اعتنَى الإسلامُ بحِفْظِ الضَّروريَّاتِ الخَمْسِ: الدِّينِ، والنَّفْسِ، والعِرْضِ، والعقلِ، والمالِ؛ فلذلك حرَّمَ قَطْعَ الطَّريقِ؛ لأنَّه يُخِلُّ بأحدِ هذه الأشياءِ الضَّروريَّةِ، وجعَل له حدًّا غليظًا
وفي هذا الحديثِ يقولُ ابنُ عبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنهما في قولِه تعالى: { إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } [ المائدة: 33 ]، والمحاربةُ هي: المضادَّةُ، والمخالفةُ، وهي صادقةٌ على الكُفرِ، وعلى قَطعِ الطَّريقِ، وإخافةِ السَّبيلِ، وكذا الإفسادُ في الأرضِ
قال ابنُ عبَّاسٍ رضِيَ اللهُ عنهما: نزَلَتْ هذه الآيةُ في شأنِ المُشرِكِينَ؛ "فمَن تاب منهم"، وذلك بإسلامِه، "قبْلَ أن يُقدَرَ عليه"، أي: إنَّه أسلَمَ قبْلَ أن يُمسِكَ به المُسلِمونَ ليُقيموا عليه حدَّ الحِرابةِ، "لم يكُنْ عليه سَبيلٌ"، أي: إنَّ التَّوبةَ تُقبَلُ منهم بعدَ إسلامِهم، وليس عليهم فيها مِن حدودٍ بعدَ إسلامِهم، "وليسَتْ هذه الآيةُ للرَّجُلِ المسلِمِ"، أي: بخلافِ المُسلِمِ الَّذي كان يُحارِبُ اللهَ ورسولَه؛ فلا تشمَلُه تلك الآيةُ، ولم تنزِلْ فيه؛ فإنَّ العقوبةَ والحدَّ لا يسقُطُ بتوبتِه؛ "فمَن قتَلَ"، أي: مِن المُسلِمينَ، "وأفسَدَ في الأرضِ وحارَبَ اللهَ ورسولَه، ثمَّ لحِقَ بالكفَّارِ"، أي: ذهَب وامتَنَعَ بالكفَّارِ، "قبْلَ أن يُقدَرَ عليه"، أي: قبْلَ أن يَقدِرَ عليه المُسلِمونَ ويُمسِكوا به، "لم يمنَعْه ذلك"، أي: كُفْرُه وارتدادُه، "أن يُقامَ فيه الحدُّ الَّذي أصابَ"، أي: إذا جاء تائبًا بعدَ ذلكَ قبْلَ أن يُقدَرَ عليه
وقولُ ابنِ عبَّاسٍ رضِيَ اللهُ عنهما هذا هو أحدُ أوجُهِ تفسيرِ تلك الآيةِ، وثَمَّةَ أقوالٌ أخرى في تَفسيرِها، وتفصيل فيمَن تُقبَلُ منه التَّوبةُ، ومَن لم تُقبَلْ توبتُه إلَّا بعدَ إقامةِ الحَدِّ؛ فقيل: ظَاهِرُ الْآيَةِ شامِلٌ لِلكافِرِ والمُسلِمِ، وقيل: إنَّ المرادَ بهذِه الآيةِ حُرَّابُ أهل الملَّة، أو الذمَّة، دون غيرهم مِن مشركي أهلِ الحربِ، وأنَّ توبةَ المحاربِ الممتنعِ قبلَ القُدرةِ عليه تضعُ عنه تَبِعات الدُّنيا إلَّا ما كان قائمًا في يدِه من أمْوالِ المُسلِمين والمعاهَدين بعَينِه، فيُردُّ على أهلِه؛ فهذا مُجمَعٌ عليه
وأمَّا مَن كان محاربًا وهو عند الطلبِ غيرُ قادرٍ على الامتناعِ، فإنَّ حُكمَ اللَّه ماضٍ عليه؛ تاب أو لم يتُبْ