باب ما جاء فى طلب الإمارة

باب ما جاء فى طلب الإمارة

حدثنا محمد بن الصباح البزاز حدثنا هشيم أخبرنا يونس ومنصور عن الحسن عن عبد الرحمن بن سمرة قال قال لى النبى -صلى الله عليه وسلم- « يا عبد الرحمن بن سمرة لا تسأل الإمارة فإنك إذا أعطيتها عن مسألة وكلت فيها إلى نفسك وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها ».

تولي المرء للولايات العامة من الأمور الخطيرة الشأن؛ لما فيها من المسؤولية عن إقامة الحق والعدل بين الناس، ويترتب على ذلك تحمل الوالي تبعات ذلك في الدنيا والآخرة، وهو ما يعرضه للخسران إن لم يقم بواجبات الولاية على وجهها بالعدل
وفي هذا الحديث يحذر النبي صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه من سؤال الإمارة، فيقول له: «لا تسأل الإمارة»، أي: لا تسعى في طلبها بأي صورة كانت، كأن تطلب من إمام المسلمين الإمارة أو غيرها من الولايات التي تتعلق بها مصالح الناس؛ لأنها أمانة كبرى ومسؤولية عظمى؛ كما جاء في مسلم من حديث أبي ذر رضي الله عنه، أنه صلى الله عليه وسلم قال: «إنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة»، ثم أخبره صلى الله عليه وسلم أنه إن ولي شيئا بسبب سعيه وإلحاحه في طلبها، وكل إلى جهده وقوته دون معونة ربانية، والإنسان لا يقدر عليها دون عون من الله تعالى. وإن جاءت الإنسان من غير طلب منه، أعانه الله على مسؤولياتها
وهذا النهي عن طلب الولاية لمن لم يكن لها أهلا؛ لجهله، أو لضعفه، أو لغلبة الهوى عليه، فقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك في قوله صلى الله عليه وسلم عند البخاري: «إنكم تحرصون على الإمارة، وستكون ندامة يوم القيامة»، فهي تكون ندامة على من لم يقم بمسؤولياته فيها، ولم يؤد حق الله وحق العباد أثناء قيامه بها؛ لما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: «ما من عبد استرعاه الله رعية فلم يحطها بنصيحة إلا لم يجد رائحة الجنة»
قيل: والذي تقتضيه الأدلة من الأحاديث الصحيحة وفعل الصحابة رضي الله عنهم: أنه من تعين عليه أمر من الأمور، وعلم من نفسه القيام به على ما يقدر عليه من الاستطاعة فيه، أو كان يرتزق به، أو علم تضييع القائم بها حقوقها، أو حصولها في غير مستوجبها، ونيته إقامة الحق فيها -جاز له الدخول فيها، ووجب عليه قبولها إذا عرضت عليه، وطلبها إن لم تعرض؛ لأنه فرض كفاية لا يتأدى إلا به، فتعين عليه القيام به وكذا إن لم يتعين عليه، وكان أفضل من غيره
ثم نصحه صلى الله عليه وسلم أنه إذا حلف ألا يفعل شيئا، ثم تبين له أن الخير في فعله، فليكفر عن يمينه وليفعله، وإذا حلف أن يفعل شيئا، ثم بدا له أن الخير في تركه، فليتركه وليكفر عن يمينه، وقد وردت كفارة اليمين في قول الله عز وجل: {فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم} [المائدة: 89]
وإنما قال له النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لأنه إذا كان الإنسان أميرا، فحلف على شيء، فربما تملي عليه أنفة الإمارة ألا يتحول عن حلفه، ولكن ينبغي وإن كان أميرا إذا حلف على شيء ورأى الخير في تركه أن يتركه، أو حلف ألا يفعل شيئا ورأى الخير في فعله أن يفعله، وهذا شامل الأمير وغيره
وفي الحديث: التحذير من طلب الإمارة والحرص عليها
وفيه: الترغيب في مخالفة اليمين إذا رأى الحالف غيرها خيرا منها