‌‌باب ما جاء في إخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب2

سنن الترمذى

‌‌باب ما جاء في إخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب2

حدثنا الحسن بن علي الخلال قال: حدثنا أبو عاصم، وعبد الرزاق، قالا: أخبرنا ابن جريج، قال: أخبرني أبو الزبير، أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: أخبرني عمر بن الخطاب، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب، فلا أترك فيها إلا مسلما»: هذا حديث حسن صحيح
‌‌

خصَّ اللهُ عزَّ وجلَّ جَزيرةَ العرَبِ ومَيَّزها عن غيرِها مِن البلدانِ على لِسانِ نَبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بأنْ حَرَّم على الكفَّارِ أنْ يَستوطِنوها، حتَّى تكونَ خالصةً للإسلامِ والمسْلِمين ولِبَيتِ اللهِ الحرامِ ومَسجِدِ نَبيِّه، وحتَّى لا يُسمَحَ لغيرِ المسْلِمين بالاستعلاءِ بِبناءِ المعابِدِ والكنائِسِ ونَحوِها بجِوارِ الحرمَينِ الشَّريفينِ.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ عُمرُ بنُ الخطَّابِ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه سَمِع النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُقسِمُ ليُخرِجَنَّ اليَهُودَ والنَّصارَى مِن جَزِيرةِ العَرَبِ، أي: إنْ أمَدَّ اللهُ في عُمرِه، حتَّى لا يَتْرُكَ فيها إلَّا مُسلِمًا؛ وكأنَّه عَمَّمَ الكُفَّارَ في الحُكمِ بعدَ تخصيصِ اليهودِ والنَّصارَى؛ وذلك لأنَّ جَزيرةَ العربِ قاعدةُ الإسلامِ، ومُنطلَقُه، فيَجِبُ ألَّا يُشارِكَ الإسلامَ فيها دِينٌ آخَرُ، فتَتمحَّصُ الجزيرةُ للمسْلمينَ، وخاصَّةً بعْدَ أنِ اشتَدَّ الدِّينُ وقَوِيَ عُودُه، وقيل: حتَّى لا تُقامَ شَعائرُ دِينِ الكفرِ مع شَعائرِ دِينِ الإسلامِ.
وسُمِّيتْ جَزيرةَ العَربِ لأنَّها كانت بأيْدِيهم قبْلَ الإسلامِ وبها أوْطانُهم ومَنازلُهم، واختُلِف في المقصودِ بجَزيرةِ العَربِ تَحْديدًا -مع الاتِّفاقِ على دُخول مكَّةَ والمدينةِ في ذلكَ-؛ فقِيل: الَّذي يُمنَعُ المشْرِكون مِن سُكناهُ مِن أرضِ الجزيرةِ هو الحِجازُ خاصَّةً، ويَشمَلُ مكَّةَ والمدينةَ وما حوْلَهما، وهذا التَّخصيصُ؛ لأنَّ تَيْماءَ الَّتي أُخرِجَ اليهودُ إليها كانَتْ مِن جَزيرةِ العربِ، لكنَّها ليْسَت مِن الحِجازِ، ومنْهم مَن أدْخَلَ اليَمامةَ، ومِنهم مَن أدْخَلَ اليمنَ في هذا التَّخصيصِ. وقيل: المقصودُ بالجَزيرةِ العربيَّةِ هو كلُّ أرضِ العربِ الَّتي كانتْ تحْتَ أيْدِيهم، وفيها أوطانُهم منذُ الجاهليَّةِ، وهي المنطقةُ الَّتي يُحيطُ بها البحرُ الأحمرُ والمحيطُ الهنديُّ والخليجُ العربي، وتَنْتهي شَمالًا إلى أطرافِ الشَّامِ والعراقِ.
وقدْ حَدَث ذلكَ بعْدَ وَفاتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ وذلك أنَّه لَمَّا استُخلِفَ عُمَرُ بنُ الخطَّابِ رَضيَ اللهُ عنه أَجْلى أهْلَ نَجْرانَ إلى النَّجْرانيَّةِ بناحيةِ الكُوفةِ، وبهم سُمِّيتْ، واشتَرى بُيوتَهم وأموالَهم، وأَجْلى أهْلَ فَدَكَ وتَيْماءَ وأهلَ خَيْبَرَ.
ومع إخراجِهم منها لا يَمنَعُ ذلك مِن دُخولِهم إيَّاها مُسافرينَ أو لحاجةٍ؛ فقدْ كان في زَمنِ عُمَرَ بنِ الخطَّابِ رَضيَ اللهُ عنه يَجلِبُ النَّصارى مِن الشَّامِ إلى المدينةِ الحِنطةَ والزَّيتَ والأمتعةَ.
وفي الحديثِ: الحضُّ على إخراجِ المشركين مِن جَزِيرَةِ العَرَبِ.