باب ما جاء في استقراض البعير أو الشيء من الحيوان أو السن2
سنن الترمذى
حدثنا محمد بن المثنى قال: حدثنا وهب بن جرير قال: حدثنا شعبة، عن سلمة بن كهيل، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، أن رجلا تقاضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأغلظ له، فهم به أصحابه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دعوه، فإن لصاحب الحق مقالا»، ثم قال: «اشتروا له بعيرا، فأعطوه إياه»، فطلبوه، فلم يجدوا إلا سنا أفضل من سنه، فقال: «اشتروه، فأعطوه إياه، فإن خيركم أحسنكم قضاء» حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة، عن سلمة بن كهيل نحوه،: هذا حديث حسن صحيح
كانَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُعلِّمًا رَحيمًا، ومُؤدِّبًا رَفيقًا، ومُربِّيًا حَليمًا، فكانَ إذا رَأى خَطأً لا يُعنِّفُ ولا يَزجُرُ ولا يُنفِّرُ، وإذا رَأى صَوابًا مدَحَهُ، وأثْنى عليهِ وشَكَرَ له، وجَزى عليه خَيرًا.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ أبو هُريرةَ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ رجُلًا كانَ لَه عَلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ دَيْنٌ، فَجاء إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَطلُبُ قَضاءَ الدَّينِ، وأساءَ في طَلَبِه مِن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بأنْ غلَّظَ وشدَّدَ في المطالَبةِ -كما في رِوايةِ الصَّحيحينِ-، فَهَمَّ بِه أصْحابُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ورَضيَ اللهُ عنهم، أي: أرادوا إيذاءَ هذا الرَّجُلِ بالقوِل أو بالفعلِ، ولكِنَّهم مَنَعوا أنْفُسَهم أدَبًا مَعه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ لهم صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «دَعوهُ»، أي: اتْرُكوه ولا تَتعرَّضوا له، وهذا مِن حُسنِ خُلقِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وكرَمِه، وقوَّةِ صَبْرِه على الجُفاةِ مع قُدرتِه على الانتقامِ منهم، قال: «فَإنَّ لِصاحِبِ الحَقِّ مَقالًا»، أي: فإنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ قَدْ جَعَلَ لِصاحِبِ الحَقِّ -سَواءً كانَ دائِنًا أو مُؤَجِّرًا أو أجيرًا- الحَقَّ في المُطالَبةِ بِحَقِّهِ، شَريطةَ عَدَمِ التَّعَدِّي عَلى غَيرِه. وكان الدَّينُ جمَلًا، فقالَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لأصحابِه رَضيَ اللهُ عنهم: «اشْتَرُوا لَه سِنًّا»، أي: بَعيرًا مُساويًا لِبَعيرِه في السِّنِّ، فَأَعْطوه إيَّاهُ.
فَلَم يَجِدوا بَعيرًا إلَّا أفضَلَ مِن بَعيرِه في الثَّمنِ والحُسنِ والسِّنِّ. فَأَمَرَهُم النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يُعْطوه إيَّاه، وأنْ يُسَدِّدوا لَه الدَّينَ بأَفضَلَ مِنه، وأكْثَرَ قِيمةً.
وعلَّلَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الأمرَ بإعطائِه الأفضلَ بقولِه: «فَإنَّ مِن خَيرِكُم أحْسَنَكم قَضاءً»، أي: فإنَّ أفْضَلَكُم في مُعامَلةِ النَّاسِ، وأكْثَرَكُم ثَوابًا؛ أحْسَنُكم قَضاءً لِلحُقوقِ الَّتي عليه دَينًا أو غَيرَهُ.
وفي الحَديثِ: التَّوكيلُ في قَضاءِ الدَّينِ.
وَفيه: القَرْضُ في الحَيوانِ.
وَفيه: أنَّ مَن عليه دَينٌ مِن قَرضٍ أو غَيرِه لَه أنْ يَرُدَّه بأَجوَدَ مِن الَّذي عليه دونَ أنْ يَشترِطَ المقرِضُ ذلك؛ فذَلِك مِن مَكارِمِ الأخلاقِ المَحْمودةِ عُرفًا وشَرعًا.
وَفيه: الصَّبرُ عَلى خُشونةِ قَولِ الغَريمِ.