باب ما جاء في الثبات عند القتال2
سنن الترمذى
حدثنا محمد بن عمر بن علي المقدمي البصري، حدثني أبي، عن سفيان بن حسين، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر قال: «لقد رأيتنا يوم حنين وإن الفئتين لموليتين، وما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة رجل»: هذا حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه من حديث عبيد الله إلا من هذا الوجه
يومُ حُنَيْنٍ كان يَومًا عَصيبًا على الصَّحابةِ؛ حيثُ اختُبِرَ الصَّحابةُ رَضِي اللهُ عَنهم اختِبارًا عظِيمًا، بيَّن اللهُ لهم فيه أنَّ العِبرةَ ليسَتْ بالعدَدِ فقَط؛ بل للهِ الأمْرُ جمِيعًا، وما العدَدُ والعُدَّةُ إلَّا أسبابٌ، ولا يتِمُّ النَّصرُ بها إلَّا بأمْرِه سبحانَه.
وفي هذا الحديثِ يقولُ ابنُ عمَرَ رَضِي اللهُ عَنهما: "لقد رأيْتُنا يومَ حُنَينٍ"، وحُنَينٌ وادٍ كبيرٌ بين مكَّةَ والطَّائفِ، وكانت تلك الغزْوةُ في السَّنةِ الثَّامِنةِ مِن الهجْرةِ عقِبَ فتْحِ مكَّةَ، حارَب فيها النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم ومَن معه مِن المسلِمين قبيلَتَي هوازِنَ وثَقِيفٍ، "وإنَّ الفِئتينِ لمولِّيَتانِ"، أي: والحالُ أنَّ النَّاسَ هارِبةٌ مِن أرضِ المعرَكةِ، "وما مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم مِئةُ رجُلٍ"، أي: ليس معه ممَّن ثبَتَ ولَم يَفِرَّ إلَّا أقَلُّ مِن مِئةِ رجلٍ، وقيل: هم ثمانون رجُلًا ثبَتُوا.
وذلك كما قال اللهُ: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا} [التوبة: 25]؛ لأنَّ المسلمين لَمَّا رأَوا كثْرتَهم وأعجَبتْهم قالوا: لن نُغلَبَ اليومَ عن قلَّةٍ، فأصابَتْهم سِهامُ الكافِرين وقتَلوهم وفرَّ المسلِمون، ولَم يثبُتْ إلَّا القليلُ، ثمَّ ترجَّل النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم عن بغْلَتِه ونادَى: "أنا النَّبيُّ لا كذِبْ، أنا ابنُ عبدِ المطَّلِبْ"، فعاد المسلِمون والتفُّوا حوْلَه، ونصَرهم اللهُ، وكان هذا درسًا وتربِيةً للمسلِمين.