‌‌باب ما جاء في الثبات عند القتال1

سنن الترمذى

‌‌باب ما جاء في الثبات عند القتال1

حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا يحيى بن سعيد قال: حدثنا سفيان الثوري قال: حدثنا أبو إسحاق، عن البراء بن عازب قال: قال لنا رجل: أفررتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا عمارة؟ قال: لا والله، ما ولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن ولى سرعان الناس تلقتهم هوازن بالنبل، ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب آخذ بلجامها، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أنا النبي لا كذب ، أنا ابن عبد المطلب»: وفي الباب عن علي، وابن عمر. وهذا حديث حسن صحيح
‌‌

كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أشجَعَ النَّاسِ، وكان أصحابُه رِضوانُ اللهِ عليهم خَيرَ الفُرسانِ، وأصبَرَهم عِندَ لِقاءِ العَدُوِّ.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ التَّابِعيُّ أبو إسحاقَ عَمرُو بنُ عَبدِ اللهِ السَّبيعيُّ أنَّه لَمَّا سَأَلَ رَجُلٌ اسمُه قَيسٌ مازِحًا -كما في رِوايةِ أحمَدَ- البَراءَ بنَ عازِبٍ رَضيَ اللهُ عنه، فقال له: أفَرَرتُم يا أبا عُمارةَ -وهي كُنيةُ البَراءِ- في غَزوةِ حُنَينٍ؟ وكانَتْ سَنةَ ثَمانٍ مِنَ الهِجرةِ، وحُنَيْنٌ وادٍ إلى جَنبِ ذي المَجازِ، قَريبٌ مِنَ الطَّائِفِ، وبيْنه وبيْنَ مَكَّةَ بِضعةَ عَشَرَ مِيلًا مِن جِهةِ الشَّرائِعِ والسَّيلِ الكَبيرِ، وقِيلَ: سُمِّيَ حُنَينًا؛ نِسبَةً إلى رَجُلٍ يُدعى حُنَينَ بنَ قابِثةَ.
وكان السُّؤالُ على الإطلاقِ بما يَشمَلُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأقسَمَ البَراءُ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ما فَرَّ ولا هَرَبَ، ولكِنَّه خَرَجَ شُبُّانُ أصحابِه وأخِفَّاؤُهم حُسَّرًا لا يَحمِلونَ سِلاحًا، ولا يَستَتِرونَ بدِرعٍ أو غَيرِها، فلَمَّا أتَوْا جَماعةً مِن قَبيلةِ هَوازِنَ وبَني نَصرِ بنِ مُعاويةَ، وهُما مِن قَبائِلِ العَرَبِ، وكانوا يُجيدونَ الرَّميَ بالنَّبْلِ والسِّهامِ، فلا يَكادُ يَسقُطُ لهم سَهمٌ دُونَ إصابةِ هَدَفِه، فرَشَقُوا أصحابَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ غَيرَ المُتجَهِّزينَ بالسِّلاحِ، فتَراجَعُوا، والنَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ راكبٌ بَغلَتَه البَيضاءَ، يَقودُها ابنُ عَمِّه أبو سُفيانَ بنُ الحارِثِ بنِ عَبدِ المُطَّلِبِ رَضيَ اللهُ عنه، فنَزَلَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن فَوقِ بَغْلَتِه، وطَلَبَ النَّصرَ مِنَ اللهِ تَعالى، وتَضرَّعَ له، وظَلَّ يَقولُ: «أنا النَّبيُّ لا كَذِبْ»، أي: فلَستُ بكاذِبٍ في قَوْلي حتَّى أفِرَّ، «أنا ابنُ عَبدِ المُطَّلِبْ» فانتسَبَ إلى جَدِّه لشُهرَتِه به، ثمَّ صَفَّ أصحابَه ورَتَّبَ صُفوفَهم؛ لِيَعودوا إلى القِتالِ، وقاتَلَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأصحابُه حتى انهَزَمَ المُشرِكونَ، وغَنِمَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ منهم غَنائِمَ كَثيرةً.
وفي الحديثِ: التَّضرُّعُ إلى اللهِ تعالَى وقْتَ الشَّدائدِ.