باب ما جاء في الصرف1
سنن الترمذى
حدثنا أحمد بن منيع قال: أخبرنا حسين بن محمد قال: أخبرنا شيبان، عن يحيى بن أبي كثير، عن نافع، قال: انطلقت أنا وابن عمر إلى أبي سعيد فحدثنا، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: سمعته أذناي هاتان يقول: «لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل، والفضة بالفضة إلا مثلا بمثل، لا يشف بعضه على بعض، ولا تبيعوا منه غائبا بناجز»: وفي الباب عن أبي بكر، وعمر، وعثمان، وأبي هريرة، وهشام بن عامر، والبراء، وزيد بن أرقم، وفضالة بن عبيد، وأبي بكرة، وابن عمر، وأبي الدرداء، وبلال وحديث أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم في الربا حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم إلا ما روي عن ابن عباس، أنه كان لا يرى بأسا أن يباع الذهب بالذهب متفاضلا، والفضة بالفضة متفاضلا، إذا كان يدا بيد، وقال: " إنما الربا في النسيئة، وكذلك روي عن بعض أصحابه شيء من هذا، وقد روي عن ابن عباس أنه رجع عن قوله حين حدثه أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم، والقول الأول أصح والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم، وهو قول سفيان الثوري، وابن المبارك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق وروي عن ابن المبارك أنه قال: «ليس في الصرف اختلاف»
أحلَّ اللهُ سُبحانه وتعالَى البَيعَ والشِّراءَ لِعبادِه المسلِمينَ، وحرَّمَ عليهمُ الرِّبَا؛ فقال تعالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275].
وفي هذا الحديثِ يَنهى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن صُوَرِ الرِّبا في الذَّهبِ والفِضَّةِ، ويُوجِّهُ لطُرقِ البيعِ والشِّراءِ فيها مع اجتنابِ الوُقوعِ في الحرامِ؛ فقال: «لا تَبِيعوا الذَّهَبَ بالذَّهبِ إلَّا مِثلًا بمِثْلٍ»، يَعنِي: بِلا زِيادةٍ وتَفاضُلٍ، «ولا تُشِفُّوا بعضَها على بعضٍ»، يَعنِي: لا تَزيدوا أحدَ العِوَضينِ على الآخَرِ، فلا يُباعُ عِشرونَ جِرامًا بثَلاثينَ مِثلًا، فكُلُّ زِيادةٍ هي رِبًا، وكذلك الأمرُ في الوَرِقِ، وهو الفِضَّةُ، ثُمَّ قال: «ولا تَبِيعوا منها غائِبًا بناجِزٍ»، يَعنِي: لا تَبيعوا غائبًا مُؤَجَّلًا بحاضِرٍ نَقدِيٍّ.
ويُقاسُ عليها كلُّ ما وافَقَها في العِلَّةِ، والعِلَّةُ في الذَّهبِ والفِضَّةِ هي الثَّمنِيَّةُ، فكُلُّ ما اعتُبِرَ ثَمنًا للأشياءِ يَأخُذُ حكْمَ الذَّهبِ والفِضَّةِ في كَونِه مِن الأموالِ التي يَجْري فيها رِبا البيوعِ، مِثلُ العُملاتِ الوَرقيَّةِ المعاصِرةِ
فيُشترَطُ في بَيعِ الجنسِ بجِنسِه المُماثَلةُ والتَّقابُضُ في مَجلسِ العقْدِ. وإذا اختَلَفَ الجِنسُ وبَقِيَت العِلَّةُ -مِثلُ بَيعِ الذَّهبِ بالفِضَّةِ- فلا يُشترَطُ التَّماثُلُ، ويُشترَطُ فقَطِ التَّقابُضُ في مَجلسِ البيعِ؛ لقولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في صَحيحِ مُسلمٍ: «فإذا اختَلَفَت هذه الأصنافُ، فبَيِعوا كَيف شِئتُم، إذا كان يَدًا بيَدٍ».