باب ما جاء في الدعاء في الصلاة على الجنازة 4
سنن ابن ماجه
حدثنا يحيى بن حكيم، حدثنا أبو داود الطيالسي، حدثنا فرج ابن الفضالة، حدثني عصمة بن راشد، عن حبيب بن عبيد
عن عوف بن مالك، قال: شهدت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى على رجل من الأنصار، فسمعته يقول: "اللهم صل عليه واغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، واغسله بماء وثلج وبرد، ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله بداره خيرا (2) من داره، وأهلا خيرا من أهله، وقه فتنة القبر وعذاب النار".
قال عوف: فلقد رأيتني في مقامي ذلك أتمنى أن أكون ذلك الرجل (3).
مِن حقِّ المسلِمِ على المُسلمِ أن يُصلِّيَ عليه إذا مات، وقد علَّمَنا النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم كيفيَّةَ صلاةِ الجنازةِ، وأمَرَنا بإخلاصِ الدُّعاءِ للميِّتِ.
وفي هذا الحَديثِ بعضٌ مِن أدعيَةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم الَّتي دعا بها النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم في إحدى صَلَواتِه على الجنائزِ، فيُخبِرُ عوفُ بنُ مالكٍ رَضِي اللهُ عنه قائِلًا: "شَهِدتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم صلَّى على رجلٍ مِن الأنصارِ فسَمِعتُه يقولُ: اللَّهمَّ صلِّ عليه"، والصَّلاةُ مِن اللهِ هي الثَّناءُ على العبدِ في الملأِ الأعْلَى، وقيل: هي رَحمةٌ ومغفرةٌ، "واغفِرْ له وارحَمْه، وعافِه واعفُ عنه"، أيِ: اكتُبْ له السَّلامةَ والنَّجاةَ من كلِّ سوءٍ، "واغسِلْه بماءٍ وثلجٍ وبرَدٍ"، والمرادُ: الدُّعاءُ له بأن يُطهِّرَه اللهُ مِن الذُّنوبِ والآثامِ والمعاصي بأنواعِ الرَّحَماتِ الَّتي تَكونُ بمَنزلةِ الماءِ الَّذي يُزيلُ الأوساخَ عن الثِّيابِ، "ونَقِّه مِن الذُّنوبِ والخطايا كما يُنقَّى الثَّوبُ الأبيضُ مِن الدَّنَسِ"، أي: اغفِرْ له مغفرةً تامَّةً لا تَدَعُ أثَرًا للذُّنوبِ حتَّى يُصبِحَ نَقيًّا طاهِرًا منها كالثَّوبِ الأبيضِ الَّذي لا أثَرَ للدَّنَسِ والأوساخِ فيه، "وأبدِلْه بدارِه دارًا خيرًا مِن دارِه، وأهلًا خيرًا مِن أهلِه"، والأهلُ يَشمَلُ الزَّوجةَ والخدَمَ، "وقِهِ فتنةَ القبرِ"، وفِتنةُ القبرِ تَكونُ بسُؤالِ الملَكَينِ، وهذا دُعاءٌ له بالتَّوفيقِ في الرَّدِّ عليهِما، "وعذابَ النَّارِ"، أي: اكتُبْ له النَّجاةَ مِن عذابِ النَّارِ.
"قال عوفٌ: فلَقد رَأيتُني في مَقامي ذلك أتمنَّى أن أكونَ مَكانَ الرَّجلِ"؛ وهذا لأنَّ الدُّعاءَ مِن النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم مُستَجابٌ إن شاء اللهُ، وقد دَعا النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم لهذا الميِّتِ بكلِّ هذه الدَّعَواتِ الَّتي يتَمنَّاها كلُّ إنسانٍ.
والمقصودُ مِن الصَّلاةِ على الميِّتِ الدُّعاءُ والاستغفارُ له، وقد ورَدَت أدعِيَةٌ مُتعدِّدةٌ عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم تُقالُ في صلاةِ الجنازةِ غيرُ هذا الحديثِ، والأفضَلُ أن يَدعُوَ المصلِّي بهذه الأدعيةِ الواردةِ عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، وإنْ دَعا بغيرِها فلا حرَجَ عليه، ويَدُلُّ عليه قولُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "إذا صَلَّيْتم على الميِّتِ فأَخْلِصوا لَه الدُّعاءَ"، فلا يتَعيَّنُ دُعاءٌ مَخصوصٌ مِن هذه الأدعيَةِ الواردةِ، ويكونُ الدُّعاءُ للميِّتِ بعدَ التَّكبيرةِ الثَّالثةِ، ويَدْعو سِرًّا بأحسَنِ ما يَحضُرُه، ولكنْ عليه أن يُخلِصَ الدُّعاءَ للميِّتِ( ).