باب ما جاء في الذي يحرم وعليه قميص أو جبة
سنن الترمذى
حدثنا قتيبة قال: حدثنا عبد الله بن إدريس، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء، عن يعلى بن أمية، قال: «رأى النبي صلى الله عليه وسلم أعرابيا قد أحرم وعليه جبة، فأمره أن ينزعها»
كان الصَّحابةُ الكرامُ رَضيَ اللهُ عنهم يُحِبُّون أنْ يَعلَموا أحوالَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
وفي هذا الحديثِ يَرْوي التَّابعيُّ صَفوانُ بنُ يَعْلى بنِ أُميَّةَ، عن أبيهِ يَعْلى بنِ أُمَيَّةَ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه طَلَبَ مِن عُمَرَ بنِ الخطَّابِ رَضيَ اللهُ عنه أنْ يُرِيَه النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حِينَما يَنزِلُ عليه الوَحيُ؛ ليَتعرَّفَ على كَيفيَّةِ نُزولِه عليه.
فبيْنما كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بِالجِعْرَانةِ -وهو مَوضِعٌ بيْن مَكَّةَ والطَّائِفِ، وهو أحَدُ مَواقيتِ العُمرةِ لمَن كانَ بِمَكَّةَ، وتقَعُ شَمالَ شَرقِيَّ مكَّةَ على بُعدِ (20 كم) تَقريبًا- جاءه رجُلٌ فسَألَه: ما حُكْمُ رَجُلٍ أحرَمَ بِعُمرةٍ وهو مُتلَطِّخٌ بالطِّيبِ في ثَوبِه وبَدَنِه؟ فسَكَت النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن إجابتِه، ولم يُجِبْه فَورًا، فجاءَه الوَحيُ، وهنا أشارَ عُمَرُ رَضيَ اللهُ عنه بِيَدِه إلى يَعْلى رَضيَ اللهُ عنه؛ حتَّى يَرى كَيفيَّةَ نُزولِ الوَحيِ على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
فجاء وَعلى رَأسِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ثَوبٌ قد أُظِلَّ به مِن الشَّمسِ، فأدْخَلَ يَعْلَى رَضيَ اللهُ عنه رَأسَه داخِلَ الثَّوبِ، فإذا رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُحمَرُّ الوجْهِ تَتردَّدُ أنفاسُه بِصَوتٍ مَسموعٍ، ثمَّ رُفِعَ عنه الوَحْيُ، فَهدَأتْ نَفسُه، وأخَذَت تَنكشِفُ عنه تِلكَ الحالةُ، فأجابَ السَّائلَ بأنْ يَغسِلَ الطِّيبَ الَّذي به ثَلاثَ مرَّاتٍ، ويَنزِعَ عنه الجُبَّةَ -وهي ثَوبٌ سابِغٌ، واسِعُ الكُمَّينِ، مَشقوقُ المَقدمِ، يُلْبَسُ فَوقَ الثِّيابِ-؛ لأنَّها مَخيطٌ، ولأنَّ بها أثرًا مِن الطِّيبِ، فيُغسَلُ أيضًا؛ ففي رِوايةٍ للبُخاريِّ ومُسلمٍ: «فأَتَاهُ رجُلٌ عليه جُبةٌ فيه أثَرُ صُفرةٍ».
وأمَرَه أنْ يَصنَعَ في عُمرتِه كما يَصنَعُ في حَجَّتِه مِن اجتِنابِ الطِّيبِ وغيرِه؛ لأنَّ مَحظوراتِ الحَجِّ والعُمرةِ واحِدةٌ.
وفي نِهايةِ الحديثِ سَأَلَ عبدُ الملِكِ بنُ جُريجٍ شَيخَه عَطاءَ بنَ أبي رَباحٍ: هلْ أَرادَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بأمْرِه بأنْ يَغسِلَ ثَوبَه ثَلاثَ مرَّاتٍ المُبالغةَ في التَّنظيفِ؟ فأجابَهُ عطاء: نَعَمْ أرادَ ذلك.
وفي الحديثِ: النَّهيُ عن التَّطيُّبِ عِندَ الإحرامِ بالنِّسبةِ إلى الثِّيابِ بكُلِّ ما يَبقى أثرُه لَونًا أو رائِحةً، أما التَّطيُّبُ في الجَسدِ فقد ثبَتَ في الصَّحيحَينِ: أنَّ عائشةَ رَضيَ اللهُ عنها طَيَّبَت رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عندَ إحرامِه. أيْ قَبلَه.
وفيه: المُبالَغةُ في الإنقاءِ مِن الطِّيبِ للمُحرِمِ.
وفيه: أنَّ السُّنةَ وَحيٌ كما أنَّ القرآنَ وَحيٌ، وقد تَرِدُ بأحكامٍ ليستْ في القرآنِ.