باب ما يقتل المحرم من الدواب
سنن الترمذى
حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب قال: حدثنا يزيد بن زريع قال: حدثنا معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " خمس فواسق يقتلن في الحرم: الفأرة، والعقرب، والغراب، والحديا، والكلب العقور " وفي الباب عن ابن مسعود، وابن عمر، وأبي هريرة، وأبي سعيد، وابن عباس.: «حديث عائشة حديث حسن صحيح»
بيَّنَ اللهُ عزَّ وجلَّ ورَسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ما يَحِلُّ للمُحرِمِ فِعلُه، وما يَحرُمُ عليه، ونَقَلَ ذلك الصَّحابةُ الكرامُ رَضيَ اللهُ عنهم أجمعينَ.
وفي هذا الحَديثِ يُشيرُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى خمْسةِ أنواعٍ مِن الحَيواناتِ الَّتي يَحِلُّ للمُحرِمِ قتْلُها في الحرَمِ، ولا يكونُ عليه إثمٌ أو حرَجٌ أو جَزاءٌ فيها. والتَّقييدُ بالخمْسِ وإنْ كان مَفهومُه اختصاصَ المَذكوراتِ بالحكْمِ، لكنَّه لا يُفيدُ الحصْرَ حَقيقةً، وعلى تَقديرِ الحصْرِ، فيَحتمِلُ أنْ يكونَ قالَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أوَّلًا، ثمَّ بيَّنَ أنَّ غيرَ الخمْسِ يَشترِكُ معها في الحكْمِ. وهذه الأنواعُ الخَمسُ ذُكِرَتْ في رِوايةٍ أُخرَى في الصَّحيحَينِ، وهي: الغُرابُ، وهو طائرٌ أسودُ مَعروفٌ، وهو يَنقُرُ ظَهْرَ البَعيرِ ويَنزِعُ عَينَه، ويَختلِسُ أطْعمةَ الناسِ.
والحِدَأَةُ، وهي نَوعٌ مِن الطُّيورِ تَخطِفُ أطْعمةَ الناسِ. والفأرةُ، والمرادُ فَأرةُ البيتِ، وهي الفُويسقةُ.
والعقربُ، وهي حَشَرةٌ صَغيرةٌ، لها ثَماني أرجُلٍ، وعَيناها في ظَهْرِها، تَلدَغُ وتُؤلِمُ إيلامًا شَديدًا، ومنها ما تكونُ لَدغتُه قاتلةً.
والكلبُ العَقُورُ، وهو كلُّ ما عَقَرَ الناسَ وعَدا عليهم وأخافَهُم.
فهذه الأنواعُ الخَمسةُ لا جُناحَ على المُحرِمِ في قتلِها في الحرَمِ، وأُذِنَ في قتْلِها لِضَرَرِها وإيذائِها للناسِ.
وقدْ ذكَرَ الكلْبَ العَقُورَ ليُنبِّهَ به على ما يضُرُّ بالأبدانِ على جِهةِ المواجَهةِ والمُغالَبةِ، والكلبُ العَقُورُ هو كلُّ ما يَفتَرِسُ؛ لأنَّه يُسمَّى في اللُّغةِ كَلْبًا، وذكَر العقْربَ ليُنبِّهَ بها على ما يضُرُّ بالأجسامِ على جِهةِ الاختلاسِ، وكذلك ذكَرَ الحِدَأَةَ والغرابَ؛ للتَّنبيهِ على ما يضُرُّ بالأموالِ مُجاهَرةً، وذكَرَ الفأرةَ للتَّنبيهِ على ما يضُرُّ بالأموالِ اختفاءً. أو نصَّ مِن كلِّ جِنسٍ على صُورةٍ مِن أدْناه؛ تَنبيهًا على ما هو أعْلَى منها، ودَلالةً على ما كان في معناها، فنَصُّه على الحِدَأةِ والغرابِ تَنبيهٌ على البازيِّ ونحْوِه، وعلى الفأرةِ تَنبيهٌ على ما يُؤذي مِن الحشَراتِ، وعلى العقْربِ تَنبيهٌ على الحيَّةِ، وعلى الكلبِ العَقورِ تَنبيهٌ على السِّباعِ التي هي أعلى منه.