‌‌باب ما جاء في الرجل يرمي الصيد فيغيب عنه

سنن الترمذى

‌‌باب ما جاء في الرجل يرمي الصيد فيغيب عنه

حدثنا محمود بن غيلان قال: حدثنا أبو داود قال: أخبرنا شعبة، عن أبي بشر، قال: سمعت سعيد بن جبير يحدث، عن عدي بن حاتم قال: قلت يا رسول الله، أرمي الصيد فأجد فيه من الغد سهمي؟ قال: «إذا علمت أن سهمك قتله ولم تر فيه أثر سبع فكل»: هذا حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند أهل العلم وروى شعبة هذا الحديث، عن أبي بشر، وعبد الملك بن ميسرة، عن سعيد بن جبير، عن عدي بن حاتم مثله، وكلا الحديثين صحيح وفي الباب عن أبي ثعلبة الخشني
‌‌

للصَّيدِ البَرِّيِّ أحكامٌ بيَّنها اللهُ سبحانَه في كتابِه وفصَّلَها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في سُنَّتِه، وهذا الحديثُ يوضِّحُ بعضًا من هذه الأحكامِ، وفيه أنَّ عَدِيَّ بنَ حاتمٍ الطَّائيَّ رضِيَ اللهُ عنه سأل النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فقال: "يا رسولَ اللهِ، إنَّا أهلُ الصَّيدِ"، أي: نحن قَومٌ نَعيشُ على صَيدِ الحَيواناتِ، "وإنَّ أحدَنا يَرمِي الصَّيدَ، فيَغيبُ عنه اللَّيلةَ واللَّيلتيْنِ"، أي: يَختفي ولا يَجِدُه اللَّيلةَ واللَّيلتينِ، " فيَبتغي الأثرَ"، يعني: إنَّه يتْبعُ أثرَ ذلك الصَّيدِ حتَّى يَجدَه مع غِيابِه تلك المدَّةَ، "فيَجدُه ميِّتًا وسهمُه فيه؟"، أي: لا يَدري هل مات بأثرِ السَّهمِ، أم إنَّه مات مُتأثِّرًا بسَبُعٍ أو نحوِه، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "إذا وجدتَ السَّهمَ فيه، ولم تَجدْ فيه أثرَ سَبُعٍ"، أي: لم يَقتلْه أو لم يَأكلْ منه حيوانٌ مُفترسٌ، "وعلِمتَ أنَّ سهمَك قتَلَه فكُلْ"، أي: وتأكَّدتَ أنَّ الصَّيدَ مات بأثرِ سَهمِك فكُلْه، ومَفهومُه: أنَّه إن وَجد فيه أثرَ غَيرِ سَهمِه، وظهَر له أنَّ غيرَ سَهمِه هو الذي قتَلَه، فلا يأكلُ مِنه. وجاء في رِوايةٍ في الصَّحيحَينِ: "وإنْ وجدتَه غريقًا في الماءِ، فلا تَأكلْ"، وفي صَحيحِ مسلمٍ وسُننِ النَّسائيِّ-واللَّفظُ له- من حديثِ أبي ثَعلبةَ رضِي اللهُ عنه: "إذا رَميتَ الصَّيدَ، فأدركتَه بعد ثَلاثٍ، وسهمُك فيه، فكُلْه ما لم يُنتِنْ".
وفي الحديث: البناءُ على اليَقينِ؛ فإنَّه إذا وقَع التردُّدُ بوجودِ أَثَرِ سَبُعٍ؛ فلا يَأكُل؛ لأنَّه لا يُعْلَمُ سَبَبُ قَتْلِه يَقينًا.