‌‌باب ما جاء في الرجل يصلي ومعه رجل

سنن الترمذى

‌‌باب ما جاء في الرجل يصلي ومعه رجل

حدثنا قتيبة قال: حدثنا داود بن عبد الرحمن العطار، عن عمرو بن دينار، عن كريب، مولى ابن عباس، عن ابن عباس، قال: «صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فقمت عن يساره، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم برأسي من ورائي فجعلني عن يمينه»، وفي الباب عن أنس، «حديث ابن عباس حديث حسن صحيح» والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ومن بعدهم، قالوا: إذا كان الرجل مع الإمام يقوم عن يمين الإمام "
‌‌

كان نبيُّنا صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أحسنَ الناسِ عِبادةً لرَبِّه وقِيامًا بيْنَ يَديهِ سُبحانَه، وقدْ كان الصَّحابةُ رَضيَ اللهُ عنهم يَحرِصون على التَّعلُّمِ مِن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأخْذِ سُنَّتِه والعَملِ بها وتَبليغِها لِمَن بعدَهم، وكان عَبدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما منذُ صِغَرِه حريصًا على ذلك.

وفي هذا الحَديثِ يَحكي عبدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّه بات ليلةً عِندَ خالتِه مَيمونةَ بنْتِ الحارِثِ رَضيَ اللهُ عنها زَوجِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وكانتْ هذه لَيلتَها مع النبيِّ الكريمِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فلمَّا صلَّى النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ العِشاءَ جاء مَنزلَها، ثمَّ صلَّى أربعَ ركَعاتٍ، ثمَّ نام ثمَّ استيقَظ، ثم سأَلَ: هل نام الصَّبيُّ؟ يَقصِدُ ابنَ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما، وقولُه: «الغُلَيِّمُ» هو تَصغيرٌ مِن بابِ الشَّفَقةِ على الطِّفلِ الصَّغيرِ ألَّا يكونَ قد نام.ثمَّ لَمَّا قام النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قام معه ابنُ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما، فوَقَفَ عن يَسارِه ليُصلِّيَ معه، فأخَذَه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فجَعَلَه على يَمينِه، فصَلَّى خَمْسَ رَكَعاتٍ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعتَينِ، ثمَّ نام، وحَرفُ «ثُم» يُفيدُ التَّراخيَ؛ ليَدُلَّ على أنَّ نَومَه لم يكُنْ عَقِيبَ الصَّلاةِ على الفورِ، بلْ قَضى وَقتًا بعْدَ الصَّلاةِ ثمَّ نام، حتَّى سَمِعَ ابنُ عباسٍ غَطِيطَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أوْ خَطِيطَهُ، وهو صَوتُ النَّفخِ الذي يُخرِجُه النائمُ مع نفَسِه عندَ استِثقالِه، وظلَّ نائمًا حتَّى خرَجَ إلى صَلاةِ الفجرِ دونَ وُضوءٍ، كما في رِوايةِ الصَّحيحينِ، وهذا مِن خَصائصِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، حيث إنَّ نَومَه مُضجِعًا لا يَنقُضُ الوُضوءَ؛ لأنَّ عَينَيه تَنامانِ ولا يَنامُ قَلْبُه.وجُملةُ الرَّكَعاتِ التي صَلَّاها النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في هذه الرِّوايةِ إحْدى عشْرةَ رَكعةً: أربعًا، ثمَّ خمْسًا، ثمَّ رَكعتينِ، وجاء في رِوايةٍ عندَ البُخاريِّ: «فكانت صَلاتُه ثلاثَ عشْرةَ رَكعةً»، وهذا هو الأكثرُ في الرِّواياتِ، ويُجمَعُ بيْنهما: أنَّ مَن رَوى «إحدى عشْرةَ» أسقَطَ الأُولَيَين ورَكعتَي الفجرِ، ومَن أثبَتَ الأُولَيَين عدَّها ثلاثَ عشْرةَ.

وفي الحَديثِ: فضْلُ ابنِ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما، وحِذقُه على صِغَرِ سِنِّه، ومُراصدتُه للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ طُولَ لَيلتِه.

وفيه: ما كان عليه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن قِيامِ اللَّيل والاجتِهادِ في العِبادةِ.

وفيه: أنَّ الحرَكةَ اليَسيرةَ لا تُفسِدُ الصَّلاةَ.