باب ما جاء في الرجم على الثيب1
سنن الترمذى
حدثنا نصر بن علي، وغير واحد، قالوا: حدثنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، سمعه من أبي هريرة، وزيد بن خالد، وشبل، أنهم كانوا عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتاه رجلان يختصمان، فقام إليه أحدهما، وقال: أنشدك الله يا رسول الله، لما قضيت بيننا بكتاب الله؟ فقال خصمه وكان أفقه منه: أجل يا رسول الله، اقض بيننا بكتاب الله، وائذن لي فأتكلم: إن ابني كان عسيفا على هذا، فزنى بامرأته، فأخبروني أن على ابني الرجم، ففديت منه بمائة شاة وخادم، ثم لقيت ناسا من أهل العلم، فزعموا أن على ابني جلد مائة، وتغريب عام، وإنما الرجم على امرأة هذا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده، لأقضين بينكما بكتاب الله، المائة شاة والخادم رد عليك، وعلى ابنك جلد مائة، وتغريب عام، واغد يا أنيس على امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها»، فغدا عليها، فاعترفت فرجمها حدثنا إسحاق بن موسى الأنصاري قال: حدثنا معن قال: حدثنا مالك، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله، عن أبي هريرة، وزيد بن خالد الجهني، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه بمعناه، حدثنا قتيبة قال: حدثنا الليث، عن ابن شهاب بإسناده نحو حديث مالك بمعناه، وفي الباب عن أبي بكرة، وعبادة بن الصامت، وأبي هريرة، وأبي سعيد، وابن عباس، وجابر بن سمرة، وهزال، وبريدة، وسلمة بن المحبق، وأبي برزة، وعمران بن حصين: حديث أبي هريرة، وزيد بن خالد حديث حسن صحيح وهكذا روى مالك بن أنس، ومعمر، وغير واحد، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن أبي هريرة، وزيد بن خالد، عن النبي صلى الله عليه وسلم
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مقيمًا لحُدودِ اللهِ كما شرَعَها الحَقُّ سُبحانَه، وكان يُعَلِّمُ النَّاسَ الأحكامَ وكيفيَّةَ تطبيقِها، ويصَوِّبُ لهم أخطاءَهم في الفَهْمِ، ويُبَيِّنُ لهم أن التشريعَ إنما هو من عندِ اللهِ سُبحانَه.
وفي هذا الحَديثِ يروي أبو هُرَيْرةَ وزَيدُ بنُ خالِدٍ رضِيَ اللهُ عنهما أنَّ رَجُلَين اختَصَما فيما بينهما، وجاءا إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ ليحكُمَ بينهما، فقالَ أحدُهما: «يا رَسولَ اللهِ، اقضِ بَيْنَنا بكِتابِ اللهِ»، أي: بحُكمِ اللهِ الَّذي قَضى به على المُكَلَّفين، وقالَ الخَصْمُ الآخَرُ -وهو أَفَقُهُهما وأكثَرُهما فَهمًا وعَقلًا، وإنما كان أفقَهَ مِن صاحِبِه؛ لحُسْنِ أدَبِه باستئذانِه، أو أفقَهَ في هذه القِصَّةِ لوَصْفِها على وَجْهِها، أو كان أكثَرَ فِقهًا في ذاتِه-: «أجَلْ يا رَسولَ اللهِ، فاقْضِ بَيْنَنا بكتابِ اللهِ، وأْذَن لي أنْ أتَكَلَّم، فأَذِنَ له صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال الرَّجلُ: إنَّ ابني كانَ عَسيفًا -أي: أَجيرًا- عند خَصْمي هذا، فَزَنى ابني بامرأةِ خَصْمي، فأخبرني النَّاسُ: أنَّ على ابْني الرَّجمَ؛ عقوبةً على وُقوعِه في الزِّنا، «فافْتَدَيتُ منه»، أي: دفعْتُ «بمائةِ شاةٍ وجاريةٍ» مملوكةٍ لي، وكأنَّه ظَنَّ أنَّ ذلك حقٌّ للخَصْمِ الآخَرِ، يَستَحِقُّ أن يعفوَ عنه على مالٍ يأخُذُه، وأخبر والِدُ الأجيرِ: أنه سَأَلَ أهلَ العِلمِ ممَّن كان له عِلمٌ بالفُتيا في عَهدِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم -وذلك أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يبعَثُ بأصحابِه في مختَلِفِ الأماكنِ والبُلدانِ لِيُعَلِّموا النَّاسَ أمورَ دينِهم- فأخبروه أنَّ على ابنه جَلْدَ مائةٍ وتَغريبَ عامٍ؛ لأنَّه عزَبٌ ولم يَسبِقْ له الزواجُ من قَبْلُ، وإنَّما الرَّجمُ على امرأتِه، فأقسَمَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وقال: «أمَا واللهِ الَّذي نَفْسي بِيَدِه، لأقْضيَنَّ بيْنَكُما بكِتابِ اللهِ»، أمَّا غَنَمُك المائِةُ وجاريتُك فمَردودةٌ عَليك وتَرجِعُ إليك؛ لأنَّ دَفْعَها غيرُ مطابقٍ لحُكمِ اللهِ، وأمَرَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بجَلْدِ الزَّاني العَزَبِ مائةً، وغَرَّبه مِن مَوطِنِ الجِنايةِ عامًا، وأَمَرَ أُنَيْسًا الأَسْلَمِيَّ أنْ يذهَبَ إلى امرأةِ الآخَرِ، إن اعْتَرَفَت أنَّه زَنى بها فلْيَرجُمها؛ لأنَّها مُحصَنةٌ، فذهب إليها أُنَيسٌ فسألها، فاعْتَرَفَت بالزِّنا، فأمر برَجْمِها فرُجِمَت. وليس التغريبُ والرَّجمُ موجودَينِ في كتابِ اللهِ تعالى، ولكِنْ في حُكمِ اللهِ المُسَمَّى: السُّنةَ.
وفي الحَديثِ: أنَّ الصَّحابةَ كانوا يُفْتون في عَهدِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وفي بَلدِه.
وفيه: استِفتاءُ المفضولِ مع وجودِ الفاضِلِ.
وفيه: أنَّ الرَّجُل إذا كانَ مُحصَنًا فحَدُّه الرَّجمُ، وإنْ لَم يكُن مُحصَنًا وَزَنى فإنَّه يُجلَدُ مائةَ جَلدةٍ ويُغَرَّبُ عامًا.
وفيه: أنَّ الباطِلَ مِن القَضاءِ مَردودٌ، وما خالَفَ السُّنَّةَ الواضِحةَ مِن ذلك فباطِلٌ.
وفيه: أَدَبُ السَّائلِ في طَلبِ الإِذْنِ.
وفيه: أنَّ الحُدودَ الَّتي هي مَحْضة لِحَقِّ اللهِ لا يَصحُّ الصُّلحُ فيها.
وفيه: صَبْرُ القاضي على جُفاةِ الخُصومِ.
وفيه: جوازُ القَسَمِ على الأمرِ؛ لتأكيدِه، والحَلِفِ بغيرِ استِحلافٍ.
وفيه: أنَّ للإمامِ أن يأذَنَ لِمن شاء من الخَصْمَينِ في الدَّعوى، إذا جاءا معًا، وأمكن أنَّ كلًّا منهما يَدَّعِي.
وفيه: أنَّ من أقَرَّ بالحدِّ وجب على الإمامِ إقامتُه عليه، ولو لم يعتَرِفْ مُشارِكُه في ذلك.
وفيه: الاستنابةُ في إقامةِ الحَدِّ.