‌‌باب ما جاء في الرخصة في الشراء إلى أجل1

سنن الترمذى

‌‌باب ما جاء في الرخصة في الشراء إلى أجل1

حدثنا أبو حفص عمرو بن علي قال: أخبرنا يزيد بن زريع قال: أخبرنا عمارة بن أبي حفصة قال: أخبرنا عكرمة، عن عائشة قالت: كان على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبان قطريان غليظان، فكان إذا قعد فعرق، ثقلا عليه، فقدم بز من الشام لفلان اليهودي، فقلت: لو بعثت إليه، فاشتريت منه ثوبين إلى الميسرة، فأرسل إليه، فقال: قد علمت ما يريد، إنما يريد أن يذهب بمالي أو بدراهمي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كذب، قد علم أني من أتقاهم لله، وآداهم للأمانة» وفي الباب عن ابن عباس، وأنس، وأسماء بنت يزيد.: «حديث عائشة حديث حسن صحيح» وقد رواه شعبة أيضا، عن عمارة بن أبي، حفصة، وسمعت محمد بن فراس البصري يقول: سمعت أبا داود الطيالسي يقول: سئل شعبة يوما عن هذا الحديث، فقال: " لست أحدثكم حتى تقوموا إلى حرمي بن عمارة بن أبي حفصة، فتقبلوا رأسه، قال: وحرمي في القوم ".: «أي إعجابا بهذا الحديث»
‌‌

النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم أفضَلُ البشَرِ، وهو صاحِبُ الخلُقِ العظِيمِ كما وصَفه ربُّ العالَمين، وحسْنُ خلُقِه وأمانَتُه معرُوفةٌ مشهُورةٌ.
وفي هذا الحديثِ تَحكي أمُّ المؤمِنينَ عائشَةُ رضِيَ اللهُ عنها: أنَّه "كان على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم ثوْبانِ قِطْرِيَّانِ"، أي: كان يلبَسُ ثوبيْنِ قِطْريَّينِ، والثَّوبُ القِطْريُّ نوعٌ من البرُودِ، وهي الأكسِيةُ الَّتي يُلتحَفُ بها، تُصنَعُ باليمَنِ، لوْنُها أبيَضُ ذو جداوِلَ وخطُوطٍ حُمْرٍ، فيها بعضُ الغِلْظةِ والخشُونةِ، "غَلِيظانِ"، أي: سَمِيكان خَشِنان، "فكان" رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، "إذا قعَد" فأَطال في مجلِسِه، "فعَرِق ثقُلَا عليه"، أي: ثقُلَ وزْنُها على النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، "فقدِم بَزٌّ"، أي: جاء تجَّارُ البَزِّ، والبَزُّ نوْعٌ مِن الثِّيابِ يُصنَعُ مِن الكَتَّانِ والقُطنِ، "مِن الشَّامِ"، أي: في تجارَةٍ قادمَةٍ مِن بلْدَةِ الشَّامِ، "لفُلانٍ اليَهوديِّ"؛ لَم يُذكَرِ اسمُه، وهو صاحِبُ هذه التِّجارةِ.
"فقلتُ"، أي: قالَت عائشَةُ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "لو بَعَثْتَ"، أي: أرسلْتَ أحدًا، "إليه"، أي: إلى اليَهوديِّ، فاشترَيتَ منه ثوبَينِ "إلى الميسَرةِ"، أي: بثمَنٍ مؤجَّلٍ إلى وقْتِ اليُسرِ والغِنى والسَّعةِ، "فأرسَل" النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، "إليه"، أي: إلى اليهوديِّ رسولًا يستسلِفُ الثِّيابَ إلى الميسَرةِ، "فقال" اليَهوديُّ: "قد علِمتُ"، أي: عرَفتُ أنا، "ما يرِيدُ"؛ يعني النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، "إنَّما يرِيدُ أنْ يذهَبَ بمالِي أو دراهِمِي"؛ الشَّكُّ مِن الرَّاوي، أي: يأخُذَ الثِّيابَ ولا يُعطِيَني ثمَنَها، "فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم" عِندما بلَغَه ما قال هذا اليَهوديُّ: "كذَبَ" اليَهوديُّ وافتَرى، "قد عَلِم" يقينًا مِن التَّوراةِ "أنِّي"، أي: النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم "مِن أتْقاهم للهِ وآدَاهم للأمانةِ"، أي: مِن أشدِّ النَّاسِ خوْفًا مِن اللهِ وأكثَرِهم أداءً وأحسَنِهم وفاءً للأمانَةِ وأقْضاهم للدَّينِ، ولكنَّ هذا اليَهوديَّ عليه لعنَةُ اللهِ يقولُ ما قال مِن الكذِبِ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم لحسَدِه.
وفي الحديث: مشروعيَّةُ التعامُلِ مع أهلِ الكِتابِ في البَيعِ والشِّراءِ مع حِفظِ حُقوقِهم وعدمِ ظُلمِهم.
وفيه: مشروعيَّةُ الشِّراءِ إلى أجَلٍ مع التزامِ أحكامِ الشَّرعِ في ذلك.