باب: ومن سورة الأحزاب11
سنن الترمذى
حدثنا أحمد بن عبدة الضبي قال: حدثنا حماد بن زيد، عن ثابت، عن أنس، قال: لما نزلت هذه الآية {وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس} [الأحزاب: 37] في شأن زينب بنت جحش، جاء زيد يشكو فهم بطلاقها فاستأمر النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " {أمسك عليك زوجك واتق الله} [الأحزاب: 37] ": «هذا حديث حسن صحيح»
أمُّ المُؤمنينَ زَينَبُ بنتُ جَحشٍ رَضيَ اللهُ عنها هي ابنةُ أُمَيمةَ بنتِ عبدِ المُطَّلِبِ عَمَّةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وكانَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ زوَّجَ زينبَ أوَّلًا لمَولاه زَيدِ بنِ حارِثةَ رَضيَ اللهُ عنه، الذي كانَ قد تبنَّاه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قبلَ أن يُحرِّمَ اللهُ التَّبنِّيَ، ولكنَّ زينبَ رَضيَ لله عنها كانت تَفخَرُ بنَفسِها على زيدٍ، ويَقَعُ بينهما ما يَكونُ بين الأزواجِ منَ الخلافِ.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ أنسُ بنُ مالِكٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ زَيدَ بنَ حارِثةَ رَضيَ اللهُ عنه جاءَ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَشكو له ما بينه وبين زَوجتِه زينبَ من خلافٍ وسُوءِ تَفاهُمٍ، وكانَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَنصَحُه ويَقولُ له: «اتَّقِ اللهَ» بالخوفِ منه، «وأَمْسِكْ عليك زَوْجَك»، كما قالَ اللهُ تَعالَى: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ، فلمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا، وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا} [الأحزاب: 37]، وفي تلك الآيةِ يَقولُ أنسٌ رَضيَ اللهُ عنه: «لو كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كَاتِمًا شيئًا لَكَتَمَ هذِه» أي: إنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بلَّغَ كلَّ شَيءٍ مِنَ الوَحيِ، ولو كانَ يُريدُ كِتمانَ شَيءٍ وإخفاءَه عنِ النَّاسِ -وهو المُنزَّه عن ذلك-، لَأخفى تلك الآيةَ؛ لِمَا اشتملت عليه مِنَ العِتابِ، وإبداءِ ما أسرَّه في نفسِه، وهو أنَّه أمَرَ زيدًا بألَّا يُطلِّقَ زَينبَ بِنتَ جَحشٍ؛ وذلك أنَّ اللهَ تَعالَى أعلَمَ نبيَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ زيدًا سيُطلِّقُ زَينبَ وستَكونُ زَوجًا له صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بعدَ طَلاقِ زيدٍ لها، ولكنَّه كَتَمَ ذلك في نَفسِه؛ خَشيةَ تَشنيعِ المُنافِقينَ عليه وإرجافِهم بأنَّه نَهَى عن تَزويجِ نِساءِ الأبناءِ وتَزوَّجَ زَوجةَ زيدٍ، وكانَ يُدعَى بزَيدِ بنِ مُحمَّدٍ قبْلَ النَّهيِ عن ذلك وإبطالِ التَّبنِّي؛ وذلك لحِكمةٍ جليلةٍ نصَّ عليها سُبحانَه وتعالَى في هذه الآيةِ بقولِه: {لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ}.
فكان زَوَاجُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ منها بعدَ طَلاقِها بأمرِ اللهِ تَعالَى؛ ولذلك كانت زَينبُ تَفخَرُ على أزواجِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، تَقولُ: «زَوَّجَكُنَّ أَهالِيكُنَّ» منَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، «وزوَّجَني اللهُ تَعالَى من فَوْقِ سَبعِ سَمواتٍ»؛ وذلك أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ دَخَلَ عليها من دُونِ وليٍّ، وإنَّما وليُّها اللهُ، فكانت تلك من خصائصِ زَينبَ رَضيَ اللهُ عنها.
وفي الحديثِ: إثباتُ صِفةِ العُلُوِّ لله تَعالَى.
وفيه: بَشَريَّةُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
وفيه: أنَّ القرآنَ الكريمَ وحيٌ منَ اللهِ سُبحانَه، وليسَ من عندِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وأنَّه بلَّغَه كاملًا دُونَ زيادةٍ أو نُقصانٍ.