‌‌باب: ومن سورة الأحزاب9

سنن الترمذى

‌‌باب: ومن سورة الأحزاب9

حدثنا عبد بن حميد قال: حدثنا محمد بن كثير قال: حدثنا سليمان بن كثير، عن حصين، عن عكرمة، عن أم عمارة الأنصارية، أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: " ما أرى كل شيء إلا للرجال وما أرى النساء يذكرن بشيء؟ فنزلت هذه الآية {إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات} [الأحزاب: 35] " الآية: «هذا حديث حسن غريب وإنما نعرف هذا الحديث من هذا الوجه»

النِّساءُ شقائقُ الرِّجالِ، فيَدخُلْنَ معَهم في جميعِ الأحكامِ إلَّا ما يَختصُّ بأحدِ الجِنسَينِ على حِدَةٍ، ولكنْ يأتي النِّداءُ في القرْآنِ للرِّجالِ غالِبًا؛ وذلك على سبيل التَّغليبِ، وليس على سَبيلِ اختِصاصِ الرِّجالِ بالأحكامِ دون النِّساءِ.
وفي هذا الحديثِ تخبِرُ أمُّ عِمارةَ نُسَيبَةُ بنتُ كعْبٍ الأنصاريَّةُ: "أنَّها أتَتِ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم فقالت: ما أرَى كلَّ شيءٍ إلَّا للرِّجالِ، وما أرى النِّساءَ يُذكَرنَ بشيءٍ"، أي: تَعجَبُ عِندَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم مِن كثْرةِ قصْدِ الرِّجالِ في القرْآنِ وذِكْرِهم بالمدْحِ والتَّكليفِ وما شابَه، دون النِّساءِ، "فنزَلَتْ هذه الآيَةُ"، أي: كان هذا سبَبَ نزُولِ قولِه تعالى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 35]، فذكَر اللهُ للنِّساءِ عشْرَ مَراتِبَ مع الرِّجالِ، وقد مَدَح اللهُ تعالى في هذه الآيةِ النِّساءَ بهذه الخِصالِ العشْرِ مع الرِّجالِ؛ الأُولى الإسلامُ، والثَّانيةُ الإيمانُ، والثَّالثةُ القُنوتُ، وهو قوْلُه: {وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ}، أي: المطيعِين والمطيعاتِ، وقيل: المداوِمين على الطَّاعَةِ والعِبادَةِ، ومدَح اللهُ عِبادَه بالصِّدقِ في القوْلِ والعمَلِ، والصَّبرِ، وأنواعُه ثلاثةٌ: صبْرٌ على الطَّاعَةِ، وصبْرٌ عن المعصِيةِ، وصبْرٌ على الأقْدارِ، وبقيَّةُ الصِّفاتِ العشْرِ ظاهِرةٌ واضِحةٌ، ووَعَدهم اللهُ على كلِّ ذلك غُفْرانَ الذُّنوبِ والأجْرَ والمَثوبَةَ منه سبحانه.

وقد دلَّتْ هذِه الآيَةُ على أنَّ الإسلامَ والإيمانَ إذا اجتمَعَا صار معنى الإسلامِ الانقِيادَ الظَّاهِرَ، وهو الاستِسْلامُ، وصار معنى الإيمان انقِيادَ الباطِنِ.