باب ما جاء في الركعتين بعد الظهر2
سنن الترمذى
حدثنا عبد الوارث بن عبيد الله العتكي المروزي قال: أخبرنا عبد الله بن المبارك، عن خالد الحذاء، عن عبد الله بن شقيق، عن عائشة، «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا لم يصل أربعا قبل الظهر صلاهن بعدها»: «هذا حديث حسن غريب إنما نعرفه من حديث ابن المبارك من هذا الوجه»، ورواه قيس بن الربيع، عن شعبة، عن خالد الحذاء نحو هذا، ولا نعلم أحدا رواه عن شعبة غير قيس بن الربيع، وقد روي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا
كان الصَّحابةُ رَضيَ اللهُ عنهم أشدَّ الناسِ حِرصًا على تَعلُّمِ أُمورِ دِينِهم مِن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ونقْلِ ما تَعلَّموه للمُسلِمينَ مِن بعْدِهم، وكانت الصَّلاةُ في ذُروةِ هذا الحِرصِ، وفي أُولَى اهتِماماتِهم.
وهذا الحديثُ يَتعلَّقُ بالسُّننِ الرَّواتبِ الَّتي كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُواظِبُ عليها، وهذه السُّنَنُ الرَّواتبُ بعضُها يكونُ قبْلَ الفَريضةِ، وبعضُها بعْدَ الفريضةِ، فيُخبِرُ عبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّه صلَّى مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رَكعتينِ قبْلَ فَريضةِ الظُّهرِ، ورَكْعتَينِ بعْدَه، ورَكعتَينِ بعْدَ الجُمعةِ، ورَكْعتَينِ بعْدَ المَغربِ، ورَكْعتَينِ بعْدَ العِشاءِ؛ فهذه مِن السُّنَنِ الرَّواتبِ الواردةِ عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
وفي تَقديمِ السُّننِ وتَأخيرِها عن الفَرائضِ معنًى لَطيفٌ؛ أمَّا في التَّقديمِ فلأنَّ الإنسانَ يَشتغِلُ بأُمورِ الدُّنيا وأسبابِها، فتَتكيَّفُ النَّفْسُ مِن ذلك بحالةٍ بَعيدةٍ عن حُضورِ القلْبِ في العِبادةِ، والخُشوعِ فيها، الَّذي هو رُوحُها، فإذا قُدِّمت السُّنَنُ على الفَريضةِ تأنَّسَتِ النَّفْسُ بالعبادةِ، وتكيَّفَتْ بحالةٍ تُقرِّبُ مِن الخُشوعِ، فيَدخُلُ في الفرائضِ على حالةٍ حَسنةٍ لم تكُنْ تَحصُلُ له لو لم تُقدَّمِ السُّنَّةُ؛ فإنَّ النفْسَ مَجبولةٌ على التَّكيُّفِ بما هي فيه، لا سيَّما إذا كثُرَ أو طال، ووُرودُ الحالةِ المُنافيةِ لِما قبْلَها قد يَمْحو أثَرَ الحالةِ السَّابقةِ أو يُضعِفُه. وأمَّا السُّنَنُ المُتأخِّرةُ فلِمَا ورَدَ أنَّ النَّوافلَ جابرةٌ لنُقصانِ الفرائضِ، فإذا وقَعَ الفرضُ ناسَبَ أنْ يكونَ بعْدَه ما يَجبُرُ خَللًا فيه إنْ وقَعَ.
وقد اختلَفتِ الأحاديثُ في أعدادِ رَكعاتِ الرَّواتبِ فِعلًا وقَولًا؛ فورَدَتْ أحاديثُ تدُلُّ على أنَّ الرَّواتبَ عشْرٌ، كما وَرَد في هذا الحديثِ بالإضافةِ إلى رَكعتَيِ الفَجرِ، وأُخرى تدُلُّ على أنَّها اثْنتَا عَشْرةَ رَكعةً، كما في صَحيحِ مُسلمٍ مِن حَديثِ أمِّ المؤمنينَ أمِّ حَبيبةَ رَضيَ اللهُ عنها، قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «مَن صلَّى اثنَتَيْ عَشْرةَ رَكعةً في يومٍ ولَيلةٍ، بُنِيَ له بهنَّ بَيتٌ في الجنَّةِ»، وفي صَحيحِ مُسلمٍ مِن حَديثِ أمِّ المؤمنينَ عائشةَ رَضيَ اللهُ عنها: «كان يُصلِّي في بَيتِي قبْلَ الظُّهرِ أرْبعًا، ثمَّ يَخرُجُ فيُصلِّي بالناسِ، ثمَّ يَدخُلُ فيُصلِّي رَكعتينِ، وكان يُصلِّي بالناسِ المَغربَ، ثمَّ يَدخُلُ فيُصلِّي رَكعتينِ، ويُصلِّي بالناسِ العِشاءَ، ويَدخُلُ بَيتي فيُصلِّي رَكعتينِ... وكان إذا طَلَعَ الفَجرُ صلَّى رَكعتينِ».
وفي الحديثِ: بَيانُ السُّننِ الراتبةِ لصَلواتِ الفَريضةِ.