باب المناقب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم56-7
سنن الترمذى
حدثنا واصل بن عبد الأعلى قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن عمارة بن عمير، قال: " لما جيء برأس عبيد الله بن زياد وأصحابه نضدت في المسجد في الرحبة فانتهيت إليهم وهم يقولون: قد جاءت قد جاءت، فإذا حية قد جاءت تخلل الرءوس حتى دخلت في منخري عبيد الله بن زياد فمكثت هنيهة، ثم خرجت فذهبت حتى تغيبت. ثم قالوا: قد جاءت، قد جاءت، ففعلت ذلك مرتين أو ثلاثا «هذا حديث حسن صحيح»
الحُسينُ بنُ عليِّ بنِ أبي طالبٍ رَضِي اللهُ عَنهما له فَضلٌ كبيرٌ وشرَفٌ عَظيمٌ؛ فهو مِن آلِ بيتِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، وكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يُحِبُّه، وأخبر أنَّه هو وأخاه الحسَنَ سيِّدَا شَبابِ أهلِ الجنَّةِ، وقد قُتِلُ الحُسينُ رضِيَ اللهُ عنه شَهيدًا مَظلومًا إليه وأَتَى عُبَيدُ اللهِ بنُ زِيادٍ برأسِه فجَعَله في طَسْتٍ وجَعَل يَنكُتُه بقَضيبٍ، فعاقَبَه اللهُ تعالى مِن جِنسِ عَملِه، كما يَقولُ عِمارةُ بنُ عُميرٍ في هذا الأَثرِ: "لَمَّا جيء برأسِ عُبيدِ اللهِ بنِ زيادٍ وأصحابِه"، وكان المختارُ بنُ أبي عُبيدةَ الثَّقفيُّ أرسَل إبراهيمَ بنَ الأشتَرِ لقِتالِ عُبيدِ اللهِ بنِ زيادٍ، فكان قَتْلُ عُبيدِ اللهِ بنِ زيادٍ على يدَيْ إبراهيمَ بنِ الأشتَرِ يومَ السَّبتِ لِثَمانٍ بَقينَ مِن ذي الحِجَّةِ سنةَ ستٍّ وستِّين على أرضٍ يُقال لها: الجازرُ، فلمَّا قُتِل ابنُ زيادٍ جيءَ برأسِه وبرُؤوسِ أصحابِه، وطُرِحَت بينَ يدَيِ المختارِ، و"نُضِدَت"، أي: فُرِشَت ووُضِعَت بعضُها فوقَ بعضٍ مَرتَبةً، في المسجدِ في "الرَّحَبةِ"، وهو موضِعٌ بالكوفةِ، قال عِمارةُ بنُ عُميرٍ: "فانتهيتُ"، أي: وصَلتُ، "إليهِم"، أي: إلى القومِ الحاضِرين عندَ هذا الموضعِ الَّذي فيه الرُّؤوسُ، "وهم"، أي: النَّاسُ، "يَقولون" على شيءٍ: قد جاءَتْ قد جاءتْ، "فإذا" للمُفاجَأةِ، "حيَّةٌ" دَقيقةٌ، قد جاءَت "تَخلَّلُ"، أي: تتَخلَّلُ وتَدخُلُ بينَ "الرُّؤوسِ"، أي: رأسِ عُبيدِ اللهِ بنِ زيادٍ ورُؤوسِ أصحابِه، "حتَّى دخَلَت في مِنخَرَي"، المِنخَرُ خَرقُ وثَقبُ الأنفِ، وأصلُه مَوضِعُ النَّخيرِ، وهو الصَّوتُ الَّذي يَخرُجُ مِن الأنفِ، فدخلَتْ هذه الحيَّةُ في أنفِ "عُبيدِ اللهِ بنِ زيادٍ"، كأنَّها مُجازاةٌ لِما فعَله عُبيدُ اللهِ بنُ زيادٍ برَأسِ الحُسَينِ رَضِي اللهُ عَنه؛ ففي البخاريِّ: "قال ابن سِيرين: أَتَى عُبَيدُ اللهِ بنُ زِيادٍ برأسِ الحُسَينِ فجَعَله في طَسْتٍ وجَعَل يَنكُتُه بقَضيبٍ"، "فمَكَثَتْ"، أي: لَبِثَتْ وظلَّتِ الحيَّةُ، "هُنيهَةً"، أي: مدَّةً يَسيرةً مِن الزَّمنِ، ثمَّ "خرَجَت" الحيَّةُ بعد ذلك، "فذَهبَت" الحية، "حتَّى تغَيَّبَتْ"، أي: غابتْ عن نظَرِنا. "ثمَّ قالوا"، أي: النَّاسُ الحاضِرون ذلك المشهَدَ: "قد جاءَتْ، قد جاءَت"، أي: الحيَّةُ، "ففعلَت ذلك"، أي: إنَّها تَدخُلُ في مِنخَرَيِ ابنِ زيادٍ وتَمكُثُ يَسيرًا ثمَّ تَخرُجُ، ثمَّ تَذهَبُ وتغيبُ، ثمَّ تأتي فتَدخُلُ مِنخَرَيِ ابنِ زيادٍ مرَّةً أخرى، فعَلَت ذلك "مرَّتَين أو ثلاثًا"، قيل: إنَّها كانتْ تَدخُلُ في مِنخَرِ ابنِ زيادٍ وتَخرُجُ مِن فيه، وكانتْ تَدخُلُ وتخرُجُ مِن رأسِه مِن بينِ الرُّؤوسِ، ثمَّ إنَّ المختارَ بعَث برأسِ ابنِ زيادٍ ورُؤوسِ الَّذين قُتِلوا معَه إلى مَكَّةَ إلى محمَّدِ ابنِ الحنفيَّةِ، وقيل: إلى عَبدِ اللهِ بنِ الزُّبيرِ، فنصَبها بمكَّةَ وأحرَق ابنُ الأشتَرِ جثَّةَ ابنِ زيادٍ وجُثثَ الباقين.
وفي الحديثِ: انتقامُ اللهِ تَعالَى لأوليائِه، وبَيانُ كَرامةِ الحُسَينِ بنِ عليِّ بنِ أبي طالِبٍ رَضِي اللهُ عَنهما.