باب ما جاء في المصورين
سنن الترمذى
حدثنا قتيبة قال: حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صور صورة عذبه الله حتى ينفخ فيها - يعني الروح - وليس بنافخ فيها، ومن استمع إلى حديث قوم وهم يفرون منه صب في أذنه الآنك يوم القيامة» وفي الباب عن عبد الله بن مسعود، وأبي هريرة، وأبي جحيفة، وعائشة، وابن عمر: حديث ابن عباس حديث حسن صحيح
الجزاءُ مِن جِنسِ العملِ، وكما يَصنَعُ الإنسانُ يُجازَى؛ إنْ خيرًا فخيْرٌ، وإنْ شرًّا فشَرٌّ.
وفي هذا الحديثِ يُبيِّنُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صُورًا مِن الأفعالِ السَّيِّئةِ وعُقوباتِها وجزائِها، فيخبرُ أنَّ مَن زَعَم أنَّه رأَى في مَنامِه حُلُمًا لم يَرَه، أو كَذَبَ في رُؤياهُ؛ سيعُذَّبَ حتى يُكَلَّفَ أن يَعقدَ بيْن حبَّتَيْنِ مِن الشَّعيرِ، ولنْ يَستطيعَ؛ لأنَّ اتِّصالَ إحداهما بالأخرى محالٌ، فهو كنايةٌ عن تعذيبِه على الدَّوامِ، قيل: وَجهُ اختِصاصِ الشَّعيرِ بذلك دونَ غيرِه لِما في المنامِ مِنَ الشُّعورِ بما دَلَّ عليه، فجُعِلَت المناسَبةُ من حيثُ الاشتِقاقُ، وكأنَّ الوعيدَ على الكَذِبِ في المنامِ أشَدُّ مِنَ الوَعيدِ على الكَذِبِ في اليقَظةِ؛ لأنَّ الكَذِبَ في المنامِ كَذِبٌ على اللهِ تعالى؛ لأنَّ الرُّؤيا جزءٌ مِن أجزاءِ النبُوَّةِ.
ثمَّ أخبَرَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ مَن اسْتَمَعَ إلى كَلامِ قَوْمٍ وهُم له كارِهونَ، أو يَفِرُّونَ منه؛ حتَّى لا يَسمَعَ ما يَقولون، صُبَّ في أُذُنِه الآنُكُ يوْمَ القِيامَةِ، و"الآنُكُ": هو الرَّصاصُ المُذابُ؛ فكَما تَلذَّذَتْ أُذنُهُ بسَماع ما لا يَحِلُّ له، عُذِّبَتْ بصَبِّ الرَّصاصِ فيها.
ثمَّ أخْبَرَ أنَّ مَن صَنَع صُورةً لِذَواتِ الأرواحِ، فكأنَّه يُضاهِي بها خَلْقَ اللهِ، فإنَّه يُعذَّبُ ويُكلَّفُ أنْ يَنفُخَ فيها الرُّوحَ، وليْسَ بِنافِخٍ؛ لأنَّه لا يَقدِرُ على ذلك، فيَظَلُّ عَذابُهُ مُستمرًّا؛ إذ نازَعَ الخالِقَ سُبحانَه وتعالَى في قُدرتِه.
وفي الحَديثِ: النَّهيُ عن التَّنصُّتِ والتَّسمُّعِ لأحاديثِ مَن يَكرَهون ذلك، وهو مِن حِفظِ الإسلامِ لحُسنِ العَلاقاتِ بيْن النَّاسِ.
وفيه: الحثُّ على الصِّدقِ وعدَمِ قوْلِ الزُّورِ، وبَيانُ خُطورةِ الكذبِ في الرُّؤيا وعُقوبتِه.