باب ما جاء في الميت يعذب بما نيح عليه 1

سنن ابن ماجه

باب ما جاء في الميت يعذب بما نيح عليه 1

حدثنا هارون بن سعيد المصري، حدثنا عبد الله بن وهب، أخبرنا أسامة بن زيد، عن نافع
عن ابن عمر: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر بنساء عبد الأشهل يبكين هلكاهن يوم أحد، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لكن حمزة لا بواكي له" فجاء نساء الأنصار يبكين حمزة، فاستيقظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "ويحهن، ما انقلبن بعد؟ مروهن فلينقلبن، ولا يبكين على هالك بعد اليوم" (2).

أمَرَ الشَّرعُ الحَكيمُ بالصَّبرِ عندَ المصائبِ، وخاصَّةً عندَ نُزولِ مُصيبةِ المَوتِ.
وفي هذا الحَديثِ يُخْبِرُ عبدُ اللهِ بنُ عُمرَ رضِيَ اللهُ عنهما أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حِينما رَجَع يَومَ أُحُدٍ مِنَ الغَزوةِ، مَرَّ بنِساءِ بَنِي عبْدِ الأشْهَلِ، فسَمِعَهنَّ يَبْكِينَ على مَن ماتَ مِن أهْليهنَّ في غَزْوةِ أُحُدٍ، فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «لكنَّ حَمْزةَ لا بَواكِيَ له»، وقدْ قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ذلكَ بسبَبِ حُزْنِه على حمْزةَ، وما فُعِلَ به مِنَ التَّمثيلِ بجُثَّتِه، وهذه المَقالةُ منه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ معَ عدَمِ إنكارِه للبُكاءِ الواقِعِ مِن نِساءِ عبْدِ الأشْهَلِ على مَوْتاهنَّ، يدُلُّ على مَشروعيَّةِ مُجرَّدِ البُكاءِ على الميِّتِ ما لمْ يَصحَبْه أفعالٌ أو أقوالٌ تُخالِفُ شرْعَ اللهِ تَعالَى، أو فيها تَسخُّطٌ على قَدَرِ اللهِ تَعالَى، كلَطْمِ الخُدودِ، وشَقِّ الجيوبِ، ونِياحةِ الجاهليَّةِ.
قال: «فجِئنَ نِساءُ الأنْصارِ، فبَكَيْنَ على حَمْزةَ عندَه»؛ ولعلَّهنَّ جِئْنَ إرْضاءً لِرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في حُزْنِه على عَمِّه، وما فَهِمْنَه مِن قَولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «لكنَّ حَمْزةَ لا بَواكيَ له»، وكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نائمًا فاسْتَيقظَ، فوجَدَ النِّساءَ على حالِهنَّ تلكَ، فقال: «وَيْحَهُنَّ!» وهي كَلِمةُ تَرحُّمٍ وتَوجُّعٍ، تُقالُ لِمَن وقَعَ في هَلَكةٍ لا يَستحِقُّها، «أهنَّ هَاهُنا حتَّى الآنَ؟!»؛ أي: ما رجَعْنَ إلى بُيوتِهنَّ إلى الآنَ، وما انتهَيْنَ عنِ البُكاءِ؟!
«مُرُوهنَّ، فلْيَرجِعْنَ»؛ أي: يَرجِعْنَ إلى بُيوتِهنَّ، «ولا يَبْكِينَ على هالِكٍ بعْدَ اليَومِ»؛ فنَهَى عنِ البُكاءِ الدَّائمِ المُتواصِلِ والنِّياحةِ، وهذا لا يُعارِضُ السَّماحَ بالبُكاءِ على الإنسانِ عندَ النَّزعِ، أمَّا إذا خرَجَتِ الرُّوحُ فلا نِياحةَ، ولا تَعْديدَ، وقدْ ورَدَ أنَّ الخَيرَ للمُسلِمِ في مِثلِ هذه الأحوالِ أنْ يقولَ: «إنَّا للهِ، وإنَّا إليه راجِعونَ، اللَّهمَّ آجِرْني في مُصِيبَتي، وأخْلِفْ لي خَيرًا منها»، كما عِندَ الإمامِ أحمدُ عن أُمِّ سَلَمةَ رضِيَ اللهُ عنها.