باب ما جاء في النهي عن المحاقلة، والمزابنة2
سنن الترمذى
حدثنا قتيبة قال: حدثنا مالك بن أنس، عن عبد الله بن يزيد، أن زيدا أبا عياش، سأل سعدا عن البيضاء بالسلت، فقال: أيهما أفضل؟ قال البيضاء، فنهى عن ذلك، وقال سعد: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل عن اشتراء التمر بالرطب، فقال لمن حوله: «أينقص الرطب إذا يبس»، قالوا: نعم، «فنهى عن ذلك» حدثنا هناد قال: حدثنا وكيع، عن مالك، عن عبد الله بن يزيد، عن زيد أبي عياش قال: سألنا سعدا، فذكر نحوه: «هذا حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند أهل العلم، وهو قول الشافعي، وأصحابنا»
كانت أنواعُ البيوعِ والمُعامَلاتِ كثيرةً مُنتشِرةً عندَ العرَبِ، فلمَّا جاء الإسلامُ هذَّبَها ونقَّحَها، فما كان مُحرَّمًا نهى عنه، وما كان مِن حلالٍ أقرَّه وعَمِل به.
وفي هذا الحديثِ أنَّ التَّابعيَّ الجليلَ زيدًا أبا عيَّاشٍ "سأَل سعدَ بنَ أبي وقَّاصٍ عنِ البَيضاءِ بالسُّلتِ"، أي: سألَه عن حُكمِ بيعِ البَيضاءِ بالسُّلتِ، أي: شِراءِ أَحدِهما بالآخَرِ مع التَّفاضُلِ بينهما، و"البَيضاءِ" نوعٌ مِن الدَّقيقِ، و"السُّلتُ" نوعٌ غيرُ البُرِّ أصغرُ حَجمًا في حَبَّتِه، وقيل: البيضاءُ نوعٌ مِن البُرِّ وهو القَمحُ الأبيضُ اللَّونِ وفيه رخاوةٌ، وقيل: البيضاءُ هو الرَّطْبُ مِن السُّلتِ، ولعلَّ هذا أليَقُ بالحديثِ؛ لأنَّه شبَّه الصُّورةَ بالرُّطَبِ والتَّمرِ، وعلى هذا فيكونُ البيعُ هنا بَيعَ الرَّطبِ من صِنفٍ بالجافِّ مِن الصِّنفِ نفسِه، فإذا بقِي في البيضاءِ مِن النَّداوةِ والرُّطوبةِ ما يُؤثِّر جفافُه في الكيلِ، فهذا بيعٌ لا يَصِحُّ، وإنْ كانا صِنفين مختلفَينِ فلا بأسَ ببيعِ الجديدِ بالعَتيقِ القديمِ مِن التَّمرِ والحبوبِ ببَعضِه، فقال له سعدٌ: "أيُّهما أفضلُ"، أي: أيُّهما أغلى سِعرًا وأثمَنُ قيمةً، "قال"، أي: قال أبو عيَّاشٍ: "البيضاءُ"، أي: حُبوبُ البيضاءِ أغلى وأثمنُ قيمةً، "فنَهاه عن ذلك"، أي: نَهى سعدٌ أبا عيَّاشٍ عن بَيعِ البيضاءِ بالسُّلتِ أو شِراءِ أحَدِهما بالآخَرِ، "وقال"، أي: سعدُ بنُ أبي وقَّاصٍ: سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم "يُسأَلُ عَن"، أي: سأَله أحدُ النَّاسِ عَن "شِراءِ التَّمرِ بالرُّطَبِ"، والرُّطَبُ هو ثمَرُ النَّخلِ ما لَم يَيبَسْ فإذا يَبِس صار تَمْرًا؛ فالفرقُ بينَهما في الطَّراوةِ واليُبوسةِ، والمقصودُ أنَّ أحَدًا سألَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن حُكمِ بيعِ التَّمرِ بالرُّطَبِ وشِراءِ أحَدِهما بالآخَرِ؛ حيث إنَّهما مِن جِنسٍ واحدٍ أيضًا، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "أيَنقُصُ الرُّطَبُ إذا يَبِس؟"، أي: هل يَقِلُّ وزنُ الرُّطَبِ إذا يَبِس وصار تَمرًا؟ "قالوا: نعَم"، أي: قال الصَّحابةُ: نعَم يَقِلُّ وَزنُ الرُّطَبِ إذا يَبِس، "فنَهاه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن ذلك"، أي: حرَّم النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم هذا النَّوعَ مِنَ البيعِ؛ وهو بيعُ وشِراءُ شيئَينِ مِن الأجناسِ الرِّبويَّةِ إذا كانَا مِن جنسٍ واحدٍ مع التَّفاضُلِ بينَهما؛ لاختِلافِ حالَيهِما وعدَمِ تَساويهما إذا تَغيَّرتِ الحالُ مِن الرُّطوبةِ إلى اليُبوسةِ.
وفي الحديثِ: النَّهيُ عن بيعِ وشِراءِ شيئَينِ مِن جنسٍ واحدٍ أحدِهما بالآخَرِ مع التَّفاضُلِ بَينهما أو إلى أَجلٍ.
وفيه: تفهيمُ السَّائلِ والمستَفتِي بما يُلاقي قَبولًا وفَهمًا عِندَه.