باب ما جاء في الوليمة2
سنن الترمذى
حدثنا ابن أبي عمر قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن وائل بن داود، عن ابنه، عن الزهري، عن أنس بن مالك، «أن النبي صلى الله عليه وسلم أولم على صفية بنت حيي بسويق وتمر»: «هذا حديث غريب».
حَثَّ الإسلامُ على الزَّواجِ؛ لِمَا له مِن أهمِّيَّةٍ كبِيرةٍ، وجعَل له سُننًا وآدابًا ينبَغي للمُسلِم أنْ يُحافِظ عليها، ومِن سُنَنِ الزَّواجِ وآدابِه: ما جاء في هذا الحديثِ الذي يُخبِرُ فيه أنَسُ بنُ مالِكٍ رَضِي اللهُ عَنه: "أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم أوْلَمَ"، أي: صنَعَ ولِيمةً، وهي الطَّعامُ الَّذي يُصنَعُ أيَّامَ العُرسِ والزَّواجِ، "على صفِيَّةَ بنتِ حُيَيٍّ"، وكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم سبَاها في غزْوةِ خيبَرَ، فتزوَّجَها النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم وجعَل مهْرَها عِتْقَها، وكانت هذه الولِيمَةُ "بسَوِيقٍ وتمْرٍ"، أي: خلَطَ بينَهما، ويُسمَّى هذا الخَليطُ حَيْسًا، والسَّويقُ: دَقيقٌ يُعمَلُ مِن الحِنْطَةِ أو الشَّعيرِ، وعُقِدتْ تلك الولِيمَةُ وهو في رجُوعِه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم مِن خيْبَرَ.
وقد ورَد اختِلافُ فِعْلِه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم في الوَلائمِ على زَوْجاتِه، وهو يَدُلُّ على أنَّ الولِيمَةَ تكونُ بأيِّ شيءٍ يَقدِرُ عليه المسلِمُ وقْتَ الزَّواجِ دونَ إسْرافٍ وفخْرٍ، وليس في قوْلِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم لعبدِ الرَّحمنِ بنِ عوْفٍ: "أوْلِمْ ولو بشَاةٍ" منْعٌ لِمَا دون ذلك، وإنما جعَل الشَّاةَ غايَةً في التَّقليلِ؛ لِيَسارِ عبدِ الرَّحمنِ وغِناهُ، وأنَّها ممَّا يُستطاعُ، وقد أوْلَمَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم على صفِيَّةَ رضِيَ اللهُ عنها بحَيْسٍ ليس فيها خبْزٌ ولا لحْمٌ، وأوْلَمَ على غيرِها بمُدَّينِ مِن شَعيرٍ، ولو وَجَد حينئذٍ شاةً لأَوْلَم بها؛ لأنَّه كان أجوَدَ النَّاسِ وأكرَمَهم صلَّى الله عليه وسلَّم.