باب مناقب عبد الله بن سلام رضي الله عنه
سنن الترمذى
حدثنا قتيبة قال: حدثنا الليث، عن معاوية بن صالح، عن ربيعة بن يزيد، عن أبي إدريس الخولاني، عن يزيد بن عميرة، قال: لما حضر معاذ بن جبل الموت قيل له: يا أبا عبد الرحمن، أوصنا، قال: أجلسوني، فقال: إن العلم والإيمان مكانهما، من ابتغاهما وجدهما، يقول ذلك ثلاث مرات، والتمسوا العلم عند أربعة رهط، عند عويمر أبي الدرداء، وعند سلمان الفارسي، وعند عبد الله بن مسعود وعند عبد الله بن سلام الذي كان يهوديا فأسلم فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنه عاشر عشرة في الجنة» وفي الباب عن سعد «وهذا حديث حسن غريب»
كان التَّابعونَ رحِمهم اللهُ يَطلُبون العِلمَ مِن صَحابةِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم ويَطلُبون مِنهم وصاياهم، وفي هذا الحديثِ يقولُ يَزيدُ بنُ عَمِيرةَ: "لَمَّا حضَر معاذَ بنَ جبلٍ الموتُ"، أي: لَمَّا كان في مرَضِ موتِه، "قيل له"، أي: ممَّن حولَه مِن الحاضِرين: "يا أبا عبدِ الرَّحمنِ"، وهي كنيةُ مُعاذٍ رضِيَ اللهُ عنه، "أوصِنا"، أي: قُلْ لنا مِن عِلْمِك ما نَلتزِمُه بعدَ موتِك، فيَنفَعَنا اللهُ به في الدُّنيا والآخرةِ، فقال لهم معاذٌ: "أجلِسوني" لِمَا به مِن شدَّةِ المرَضِ، فقال: "إنَّ العِلمَ والإيمانَ مَكانَهما، مَنِ ابتَغاهما وجَدهما- يقولُ ذلك ثلاثَ مرَّاتٍ-"، أي: إنَّ الإنسانَ يحصُلُ عليهما إذا ما اشتغَل بطلَبِهما، وتَكرارُه لذلك إسماعًا وتأكيدًا لأهمِّيَّتِها، "والْتَمِسوا العِلمَ"، أي: اطلُبوه، "عندَ أربعةِ رَهْطٍ"، أي: نفرٍ أو أشخاصٍ، والرَّهطُ: ما دون العشَرةِ مِن الأشخاصِ؛ "عندَ عُوَيْمِرٍ أبي الدَّرداءِ، وعندَ سَلْمانَ الفارسيِّ، وعندَ عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ، وعندَ عبدِ اللهِ بنِ سَلَامٍ الَّذي كان يهوديًّا فأسلَم"، وهذا إشارةٌ مِنه إلى ما عند عبدِ اللهِ بنِ سلَامٍ مِن عِلمِ الكتابَينِ؛ "فإنِّي سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يقولُ: إنَّه"، أي: عبدَ اللهِ بنَ سَلَامٍ، "عاشِرُ عشَرةٍ في الجنَّةِ"، أي: عاشِرٌ مِن الَّذين أسلَموا مِن اليهودِ، أو ممَّا عدَا العشَرةَ المبشَّرةَ، أو: يَدخُلُ الجنَّةَ بعدَ تِسعةَ عشَرَ مِن الصَّحابةِ، فليس عبدُ اللهِ بنُ سَلَامٍ مِن العَشَرةِ المبشَّرين بالجنَّةِ.
وفي الحَديثِ: بيانُ أهميَّةِ طلبِ العِلمِ، وأنَّه مِن أَوْلَى ما يُوصَى به.
وفيه: بيانُ فَضلِ ومَنْقبةِ هؤلاءِ الصَّحابةِ الأربعةِ رضِيَ اللهُ عنهم جميعًا.