باب: ومن سورة آل عمران13
سنن الترمذى
حدثنا يوسف بن حماد قال: حدثنا عبد الأعلى بن عبد الأعلى، عن سعيد، عن قتادة، عن أنس، أن أبا طلحة، قال: «غشينا ونحن في مصافنا يوم أحد»، حدث أنه كان فيمن غشيه النعاس يومئذ قال: «فجعل سيفي يسقط من يدي وآخذه، ويسقط من يدي وآخذه، والطائفة الأخرى المنافقون ليس لهم هم إلا أنفسهم، أجبن قوم وأرعبه وأخذله للحق». هذا حديث حسن صحيح
اخْتارَ اللهُ سبحانَه رُسلَه وأنبياءَه واصطَفاهُم مِن خِيرةِ الخلقِ، وأدَّبَهم على عْينِه سبْحانَه؛ فَهم أفْضلُ الخلقِ خُلقًا وعمَلًا، ولكنْ دائمًا ما كان الرُّسلُ يُبْتَلَوْن بالمنافِقينَ والمعَانِدينَ الَّذين يَصِفونَهم بالقبائحِ، ولكنَّ اللهَ يُظهِرُ براءةَ أنبيائِه ورسلِه على أعْيُنِ النَّاسِ جميعًا، وقد تَعرَّض النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم لِمثْلِ هذا، وأنْزلَ اللهُ براءتَه قرْآنًا يُتلَى إلى يومِ القيامةِ، كما يقولُ عبدُ اللهِ بنِ عبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنهما في هذا الحديثِ: "نزلَتْ هذه الآيةُ"، أي: أنْزلَ اللهُ تعالى هذه الآيةَ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، وهي قولُه تعالى: "{وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ} [آل عمران: 161]"، أي: يَمتنِعُ ذلك، ويَسْتحيلُ على مَن اخْتارَهم اللهُ لنبوَّتِه أنْ يَخونوا أو يَسْرِقوا، والغلولُ هو: الكتمانُ من الغَنيمةِ، والخِيانةُ في كلِّ مالٍ يتَولَّاه الإنسانُ، "في"، أي: نزَلَت الآيةُ بسبَبِ "قَطيفةٍ حَمْراءَ"، أي: كِساءٍ له خَمَلٌ وهو المُهدَّبُ، وكان لونُها أحمَرَ، "افتُقِدَت" بصيغةِ المجهولِ، أي: افتَقَدها النَّاسُ، فطَلَبوها فلم يَجِدوها، "يومَ بَدرٍ"، أي: مِن غَنائِمِ غَزوةِ بدرٍ، وبدرٌ هي يومُ الملحَمةِ الكُبرى في الإسلامِ، فرَّق اللهُ بها بينَ الحقِّ والباطلِ، وكانَت في السَّنةِ الثَّانيةِ مِن الهجرةِ، حيث خرَج المسلِمون لأَخْذِ عِيرِ قُريشٍ القادِمَةِ مِن الشَّامِ وعليها أموالُهم، وقد أخَذوا مِن قَبلُ أموالَ المسلِمين في مكَّةَ، لكنَّ أبا سُفيانَ استَطاع النَّجاةَ، وأرسَل إلى قُريشٍ، فَجاؤوا للقِتالِ، فالْتَقى الفَريقانِ عندَ بِئْرِ بدرٍ، وانتَصَر المسلِمون بِعَددِهم القَليلِ غيرِ المجهَّزِ للقِتالِ على كُفَّارِ قُريشٍ وصَناديدِها بالرَّغمِ مِن عَددِهم الكبيرِ وتَجهيزِهم، "فقال بعضُ النَّاسِ" وهم المنافِقون، "لعلَّ"، أي: عَسى ورُبَّما أنَّ "رسولَ اللهِ" صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، "أخَذَها" غُلولًا، أي: القَطيفةَ الحَمْراءَ، وحاشا رسولِه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم مِن ذلك، "فأنزَل اللهُ تبارك وتَعالى" تَبْرِئةَ نبيِّه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم مِن تُهمةِ المنافِقين له بالغُلولِ، هذه الآيةَ وهي قولُه تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [آل عمران: 161].
وفي الحديثِ: أنَّ اللهَ تعالى يُدافِعُ عن أنبيائِه وأوليائِه.
وفيه: بيانُ أنَّ المنافِقين شِرارُ النَّاسِ.