‌‌باب ما جاء في بيعة النبي صلى الله عليه وسلم2

سنن الترمذى

‌‌باب ما جاء في بيعة النبي صلى الله عليه وسلم2

حدثنا قتيبة قال: حدثنا حاتم بن إسماعيل، عن يزيد بن أبي عبيد، قال: قلت لسلمة بن الأكوع على أي شيء بايعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية؟ قال: «على الموت» هذا حديث حسن صحيح
‌‌

بايَعَ الصَّحابةُ رِضوانُ اللهِ عليهمُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في عامِ الحُدَيبيةِ سَنةَ سِتٍّ مِنَ الهِجرةِ، وسُمِّيَ الذين بايَعوا في الحُدَيبيةِ أصحابَ الشَّجَرةِ؛ وقدْ أثْنى اللهُ تعالَى عليهم ورَضيَ عنهم، وشَهِدَ لهمُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالجَنَّةِ.
وفي هذا الحَديثِ يَروي سَلَمةُ بنُ الأكْوَعِ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه بايَعَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بَيْعةَ الرِّضوانِ بالحُديبيةِ تحْتَ الشَّجَرةِ، ثمَّ ذَهَبَ إلى ظِلِّ الشَّجَرةِ، والمُبايَعةُ هي المُعاقَدةُ والمُعاهَدةُ، وسُمِّيتْ بذلك تَشبيهًا بالمُعاوَضةِ الماليَّةِ، كأنَّ كُلَّ واحِدٍ منهما يَبيعُ ما عِندَه لِصاحِبِه؛ فمِن طَرَفِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وَعدٌ بالثَّوابِ، ومِن طَرَفِ الصَّحابةِ رَضيَ اللهُ عنهم الْتِزامُ الطَّاعةِ. فلَمَّا خَفَّ النَّاسُ ناداهُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «يا ابنَ الأكْوَعِ، ألا تُبايِعُ؟» فقال: قدْ بايَعتُ -يا رَسولَ اللهِ- قبْلَ ذلك، قال: «وأيضًا»، أي: بايِعْ مرَّةً ثَانيةً، فبايَعَه، أرادَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بذلكَ أنْ يُؤكِّدَ بَيعةَ سَلَمةَ؛ لِعِلمِه بشَجاعَتِه، وعَنائِه في الإسلامِ، وشُهرَتِه بالثَّباتِ؛ فلذلك أمَرَه بتَكريرِ المُبايَعةِ؛ لِيَكونَ له في ذلك فَضيلةٌ.
ثمَّ سَأَلَ التَّابِعيُّ يَزيدُ بنُ أبي عُبَيدٍ سَلَمَةَ بنَ الأكْوعِ: يا أبا مُسلِمٍ -وهي كُنيتُه- على أيِّ شَيءٍ كُنتُم تُبايِعونَ يَومَئِذٍ؟ فأجابَه: كُنَّا نُبايِعُ على المَوتِ. أي: على ألَّا نَفِرَّ مِنَ العَدُوِّ ولو مُتْنا.
وقَدْ وَرَدتْ رِواياتٌ أُخرى أنَّ الصَّحابةَ رَضيَ اللهُ عنهم بايَعوا النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على الصَّبرِ، لا على المَوتِ، وفي رِواياتٍ أيضًا أنَّه بايَعَهم على عَدَمِ الفِرارِ. ولَفظُ الصَّبرِ يَشمَلُ جَميعَ المَعاني الأُخرى؛ لِأنَّ المُبايَعةَ على المَوتِ هي مَعنى المُبايَعةِ على ألَّا يَفِرُّوا؛ لِأنَّهم لا يَفِرُّونَ ولوِ استَلزَمَ الأمْرُ مَوتَهم، وعَدَمُ الفِرارِ كذلك لا يَكونُ إلَّا بالصَّبرِ، فكانَ مَعنى الصَّبرِ دالًّا على باقي المَعاني، ومُؤَدِّيًا إلى أنَّهم سَيَصبِرونَ على العَدُوِّ، ولا يَفِرُّونَ حتَّى المَوتِ أوِ النَّصرِ.
وفي الحَديثِ: الثَّباتُ والصَّبرُ في القِتالِ.
وفيه: عِظَمُ مَحبَّةِ الصَّحابةِ رَضيَ اللهُ عنهم لِرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.