‌‌باب ما جاء في بيعة النبي صلى الله عليه وسلم1

سنن الترمذى

‌‌باب ما جاء في بيعة النبي صلى الله عليه وسلم1

حدثنا سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي قال: حدثنا عيسى بن يونس، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن جابر بن عبد الله، في قوله تعالى: {لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة} [الفتح: 18] قال جابر: «بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن لا نفر، ولم نبايعه على الموت» وفي الباب عن سلمة بن الأكوع، وابن عمر، وعبادة، وجرير بن عبد الله: وقد روي هذا الحديث عن عيسى بن يونس، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير قال: قال جابر بن عبد الله ولم يذكر فيه أبو سلمة
‌‌

في هذا الحديثِ يَرْوي مَعْقِلُ بنُ يَسَارٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه في يومِ الشَّجَرَةِ -وهو يومِ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ- كان واقفًا تحتَ الشَّجرةِ الَّتي حَدَثَت عندها البَيعةُ، والنبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُبايِعُ النَّاسَ، وكان يَرْفَعُ غُصنًا مِن أغصانِها عن رأسِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وكان عَدَدُهم نحوَ أربعِ مِائَةٍ، ولم يُبايِعُوه على الموتِ، ولكن بايَعُوه على ألَّا يَفِرُّوا، والمعنى: الصبرُ حتَّى يَظْفَروا بالعَدُوِّ أو يُقتَلوا دُونَه، أي: يَصبِروا وإنْ آلَ بهم ذلك إلى الموتِ، لا أنَّ الموتَ مَقصُودٌ في نفسِه.
والمبايعةُ هي المُعاقَدةُ والمُعاهَدةُ على الالتِزامِ بما يُوجِبُه اللهُ ورَسولُه، وسُمِّيتْ بذلك تَشبيهًا بالمُعاوَضةِ الماليَّةِ، كأنَّ كلَّ واحدٍ منهما يَبيعُ ما عِندَه مِن صاحبِه؛ فمِن طرَفِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: وَعْدٌ بالثَّوابِ، ومِن طَرَفِهم: الْتزامُ الطَّاعةِ.
والسَّببُ في هذه البَيعةِ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان قدْ خَرَج بأصحابهِ رَضيَ اللهُ عنهم مِن المدينةِ إلى مكَّةَ يُرِيدون العُمرةَ، فمَنَعَتْهم قُرَيشٌ مِن دُخولِ مكَّةَ، فبَعَثَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عُثمانَ بنَ عفَّانَ رَضيَ اللهُ عنه إلى مَكَّةَ بكِتابٍ يُخبِرُ به أشْرافَ قُرَيشٍ بأنَّه لم يَأتِ إلَّا زائرًا لِلبَيتِ ومُعَظِّمًا لِحُرْمَتِه، وتَأخَّرَ عُثمانُ رَضيَ اللهُ عنه في الرُّجوعِ، فأُشيعَ بيْنَ المسْلِمين أنَّه قدْ قُتِلُ في مكَّةَ حتَّى بَلَغَ ذلك النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ودَعا النَّاسَ لِلبَيعةِ، فبايَعَه بَعضُهم على المَوتِ، وبَعضُهم على ألَّا يَفِرُّوا، وتُسَمَّى هذه البَيعةُ بَيعةَ الرِّضوانِ؛ لِقَولِه تَعالَى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح: 18]، ولكنَّ اللهَ سلَّمَ ولم يُقتَلُ عُثمانُ رَضيَ اللهُ عنه، وأرْسَلَتْ قُرَيشٌ، فعَقَدَت صُلحَ الحُدَيبيةِ مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وكان ذلك سَنةَ سِتٍّ مِنَ الهِجرةِ.
وفي الحديثِ: ذِكْرُ بَيْعَةِ الرِّضوَانِ.
وفيه: فَضليةٌ لمَعقِل بنِ يَسارٍ رَضيَ اللهُ عنه.
وفيه: المُبايَعَةُ على القِتالِ، وعلى الصَّبرِ فيه.