باب ما جاء في تقبيل الميت

سنن ابن ماجه

باب ما جاء في تقبيل الميت

حدثنا أحمد بن سنان، والعباس بن عبد العظيم، وسهل بن أبي سهل، قالوا: حدثنا يحيى بن سعيد، عن سفيان، عن موسى بن أبي عائشة، عن عبيد الله بن عبد الله
عن ابن عباس وعائشة: أن أبا بكر قبل النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو ميت (1).

كان رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بَشَرًا يجري عليه ما يجري على البشَرِ من الصِّحَّةِ والمرَضِ، والموتِ والحياةِ، غيرَ أنَّ اللهَ كَرَّمه وشَرَّفه بالنبُوَّةِ والرِّسالةِ.
وفي هذا الحَديثِ يَحكي عبدُ اللهِ بنُ عَبَّاسٍ وَأمُّ المُؤمِنينَ عائِشةُ رضي اللَّه عنهم، أنَّ أبا بَكرٍ الصِّدِّيقَ رضي اللَّه عنه قَبَّلَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وَهوَ مَيِّتٌ، بعْدَ أنْ كَشَفَ وَجهَهُ وَأكَبَّ عليه، فقبَّلَه بيْن عَيْنَيه، كما في رِوايةِ النَّسائيِّ.
وَقالَتْ أمُّ المُؤمِنينَ عائِشةُ رضي اللَّه عنها: «لدَدْناهُ»، أي: النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أي: جَعَلْنا الدَّواءَ في جانِبِ فَمِهِ بِغَيرِ اختيارِهِ في مَرَضِهِ الَّذي ماتَ فيهِ، فَجَعَلَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُشيرُ إليهم ألَّا تَلُدُّوني، فكان ينبغي لهم أن ينتهوا عن ذلك، غيرَ أنَّهم تأوَّلوا أنَّ ذلك من بابِ ما عُلِمَ من أحوالِ المرضى، من كراهَتِهم الدَّواءَ، فخالفوه، فَلَمَّا أفاقَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سألهم موبِّخًا ومُستنكِرًا: «ألَمْ أنْهَكُمْ أنْ تَلُدُّونِي؟»، فأخبروه أنَّهم ظنُّوا أنَّ ذلك من بابِ كراهيةِ المريضِ للدَّواءِ، فَقالَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «لا يَبْقى في البَيتِ أحَدٌ -مِمَّن تَعاطَى ذلك وَغَيرَهُ- إلَّا لُدَّ»، وذلك تَأديبًا لهم؛ لعدَمِ التزامِهم أمْرَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. وَتَأديبُ الَّذينَ لَمْ يُباشِروا ذلك أيضًا ممن حضر في البيتِ؛ لِكَونِهِم لَم يَنهَوا الَّذينَ فَعَلوا بعْدَ نَهْيِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنْ يَلُدُّوهُ، قال: «وَأنا أنْظُرُ، إلَّا العَبَّاسَ» عَمَّه، فَإنَّهُ لَم يحضُرْ معهم حالةَ اللُّدُودِ.
وَإنَّما أَنْكَرَ التَّداوي؛ لِأنَّهُ كانَ غَيرَ مُلائِمٍ لِدائِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ لِأنَّهُم ظَنُّوا أنَّ به ذاتَ الجَنبِ، فَداوَوْهُ بما يُلائِمُها، ولَم يَكُنْ به صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ذلك. قيل: لأنَّه تحقَّق أنَّه يموتُ في مَرَضِه، ومن حقَّق ذلك كُرِه له التَّداوي.
وفي الحَديثِ: مَنعُ إكراهِ المريضِ على الطَّعامِ والشَّرابِ والدَّواءِ.
وفيه: مشروعيَّةُ القِصاصِ في كُلِّ شَيءٍ.
وفيه: تعزيرُ المتعَدِّي بنحوٍ مِن فِعْلِه الذي تعدَّى به، إلَّا أن يكونَ فِعلًا محرَّمًا.