باب ما جاء في حفظ اللسان2
سنن الترمذى
حدثنا محمد بن موسى البصري قال: حدثنا حماد بن زيد، عن أبي الصهباء، عن سعيد بن جبير، عن أبي سعيد الخدري، رفعه قال: " إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تكفر اللسان فتقول: اتق الله فينا فإنما نحن بك، فإن استقمت استقمنا وإن اعوججت اعوججنا " حدثنا هناد قال: حدثنا أبو أسامة، عن حماد بن زيد، «نحوه ولم يرفعه، وهذا أصح من حديث محمد بن موسى»،: «هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث حماد بن زيد، وقد رواه غير واحد عن حماد بن زيد، ولم يرفعوه» حدثنا صالح بن عبد الله قال: حدثنا حماد بن زيد، عن أبي الصهباء، عن سعيد بن جبير، عن أبي سعيد الخدري، قال: أحسبه عن النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر نحوه
اللِّسانُ يُترجِمُ عمَّا في القَلبِ ويُعبِّرُ عنه، ونُطْقُه له تَأثيرٌ في بقيَّةِ أعضاءِ الجسَدِ، وهذا التأثيرُ يكونُ بالخيرِ إذا كان الكلامُ ممَّا يُنتفعُ به؛ مِن ذِكرٍ للهِ، أو أمرٍ بمعروفٍ أو نهي عن مُنكَرٍ، ويكونُ التأثيرُ بالشَّرِّ إذا كان نطقُه فيه إثمٌ؛ مِن كَذِبٍ ونميمةٍ وغِيبةٍ.
وفي هذا الحديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "إذا أصبَح ابنُ آدَم"، أي: بدَأ يَومَه واستعدَّ له، "فإنَّ الأعضاءَ كلَّها"، أي: أعضاءَ الجسَدِ؛ مِن عَينين وأُذنين، ويدَين وقدَمين، وغيرِ ذلك، "تكفِّرُ اللِّسانَ"، أي: يَخضَعون ويتَذلَّلون له، من التَّكفيرِ الذي هو انحناءُ الرَّأس وطَأْطَأتُه قريبًا من الركوعِ كما يَفعَلُ مَن يُريدُ تَعظيمَ صاحبِه، وقيل: معنى "تُكفِّر اللِّسانَ"، أي: تُنـزِّلُ الأعضاءُ اللسانَ مَنزِلةَ الكافرِ بالنِّعمِ، "فتَقولُ"، أي: للِّسانِ، "اتَّقِ اللهَ فينا"، أي: كُنْ على خوفٍ مِن اللهِ؛ "فإنَّما نحن بك"، أي: إنَّنا مَجْزيُّون بالثَّوابِ أو العِقابِ بما تقولُه مِن كلامٍ، وقيل: مُتابِعون لك في الخيرِ والشَّرِّ، "فإنِ استقمتَ"، أي: كنتَ مستقيمًا؛ بقلَّةِ الكلامِ ونطَقتَ بالكلامِ الطَّيِّبِ، والابتعادِ عمَّا فيه إثمٌ؛ مِن غِيبةٍ ونميمةٍ وكذِبٍ، وانشغَلْتَ بذِكرِ اللهِ، "استقَمنا"، أي: تَبِعناك في تلك الفضائلِ والأجْرِ، "وإن اعوجَجْتَ"، أي: كنتَ مائلًا مخاِلًفا للطَّريقِ المستقيمِ والهُدى "اعوجَجْنا"، أي: مِلْنا معك، وكنَّا بذلك مخالِفين لِما فيه الهُدى والصَّلاحُ؛ وذلك لأنَّ اللِّسانَ تَرجُمانُ القلبِ، وهو المظهِرُ لمكنونِ النَّفسِ؛ مِن صلاحٍ أو فَسادٍ، فبما يَنطِقُ اللِّسانُ يُجازَى الإنسانُ؛ وبهذا يُجمَعُ بين هذا الحَديثِ وبينَ قولِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: "إنَّ في الجسَدِ مُضغةً، إذا صلَحَتْ صلَح الجسَدُ كلُّه، وإذا فسَدَتْ فسَد الجسَدُ كلُّه؛ ألَا وهي القلبُ"؛ فصَلاحُ القلبِ أو فَسادُه يَظهَرُ في مَنطوقِ اللِّسانِ.