باب ما جاء في ذكر مرض رسول الله ﷺ 8
سنن ابن ماجه
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا إسماعيل ابن علية، عن ابن عون، عن إبراهيم، عن الأسود، قال:
ذكروا عند عائشة أن عليا كان وصيا، فقالت: متى أوصى إليه؟! فلقد كنت مسندته إلى صدري، أو إلى حجري، فدعا بطست، فلقد انخنث في حجري فمات وما شعرت به، فمتى أوصى - صلى الله عليه وسلم -؟! (1)
الشِّيعةُ مَشهورونَ بوَضْعِ الأحاديثِ واختِلاقِ الأخبارِ التي تُؤيِّدُ باطلَهم، ومِن ذلك أنَّهم وضَعُوا أحاديثَ تُفيدُ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أَوْصَى بالخِلافةِ لعلِيٍّ، وقدْ ردَّ عليهم جَماعةٌ مِن الصَّحابةِ ذلك، وكذا مَن بعْدَهم.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ التَّابعيُّ الأسودُ بنُ يَزيدَ أنَّه ذُكِر عِندَ عائشةَ رَضيَ اللهُ عنها، أنَّ علِيَّ بنَ أبي طالِبٍ رَضيَ اللهُ عنه كان مُوصًى له بالخِلافةِ بعْدَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وأصلُ الوَصيَّةِ: مِن وصيتُ الشيءَ أَصِيه إذا وصَلْتَه، فكأنَّه وصَلَ ما بعدَ مَماتِه بحَياتِه. فقالتْ عائِشةُ رَضيَ اللهُ عنها مُتعجِّبةً ومُنكِرةً ذلك: متَى أَوْصَى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إليه؟! فأَنكَرَتْ عائشةُ رَضيَ اللهُ عنها أنْ يَكونَ النَّبيُّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قَدْ أوْصَى إلى عَلِيٍّ رَضيَ اللهُ عنه بالخِلافةِ أو بشَيءٍ مِن أُمورِه الخاصَّةِ أو العامَّةِ، وذَكَرتْ أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ماتَ وهي مُسنِدَتُه إلى صَدْرِها، أو قالتْ: حَجْرِها، فدَعا صلَّى اللَّه عليه وسلَّم بالطَّسْتِ؛ ليَتفُلَ فيه، ثمَّ «انخَنَث»، أي: مالَ واستَرخَى وسَقَط صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ميِّتًا في حَجْرِها، وما شَعَرَتْ بمَوتِه، صَلواتُ ربِّي وسَلامُه عليه حيًّا وميِّتًا؛ فاستَدلَّتْ بهذا وبمُلازَمتِها له في هذه الحالِ على أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ماتَ ولم يقَعْ منه شيءٌ مِن ذلك ولم يُوصِ له بشَيءٍ عِندَ مَوتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
وعائِشةُ رَضيَ اللهُ عنها لم تَنْفِ صُدورَ مُطلَقِ الوَصيَّةِ منه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، إذ ثَبَتتْ وَصيَّتُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بإخْراج المُشرِكينَ مِن جَزيرةِ العَرَبِ، وإجازةِ الوَفدِ، وتَجهيزِ جَيشِ أُسامةَ رَضيَ اللهُ عنه، وإنَّما نَفَتِ الوَصيَّةَ لِعَلِيٍّ رَضيَ اللهُ عنه بالخِلافةِ رَضيَ اللهُ عنه في مَرَضِ مَوتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ. وإنَّما ساغَ لها نَفْيُ ذلك؛ لِكَونِه مُنحَصِرًا في مَجالِسَ مُعَيَّنةٍ، لم تَغِبْ عن شَيءٍ منها، وأيضًا لِأنَّ الوَصيَّةَ بالخِلافةِ ممَّا يُشتَهَرُ ويُذاعُ في الأوساطِ، وعَدَمُ إشاعَتِه دَليلٌ أيضًا على عَدَمِ وَصيَّتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لِعَليٍّ رَضيَ اللهُ عنه بالخِلافةِ.