باب ما جاء في رحمة المسلمين3
سنن الترمذى
حدثنا ابن أبي عمر قال: حدثنا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن أبي قابوس، عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء، الرحم شجنة من الرحمن، فمن وصلها وصله الله ومن قطعها قطعه الله»: هذا حديث حسن صحيح
في هذا الحديثِ يقولُ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "الرَّاحمون"، أي: الَّذين يَرحَمون مَن في الأرضِ مِن إنسانٍ أو حيوانٍ أو طيرٍ أو غيرِه؛ شَفَقةً ورَحمةً ومُواساةً، "يَرحَمُهم الرَّحمنُ"، برَحمتِه الَّتي وَسِعَت كلَّ شيءٍ، فيَتفضَّل عليهم بعَفوِه وغُفرانِه وبرِّه وإحسانِه؛ جزاءً وفاقًا، فاللهُ عزَّ وجلَّ متَّصِفٌ بالرَّحمةِ، وهو سُبحانَه الرَّحمنُ الرَّحيمُ، الموصِلُ الرَّحمةِ إلى عِبادِه، وليستْ رَحمتُه سبحانَه كرحمةِ المخلوقِ؛ فإنَّه عزَّ وجلَّ ليس كمِثلِه شيءٌ.
ثمَّ أمَر النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم بالرَّحمةِ، فقال: "ارحَموا مَن في الأرضِ"، أي: جميعَ مَن في الأرضِ مِن أنواعِ الخَلْقِ، "يَرحَمْكم مَن في السَّماءِ"، أي: مَن عَلَى السَّماءِ، وهو اللهُ تعالى العليُّ بذاتِه، المستوِي على العرشِ فوقَ سَمَواتِه.
ثمَّ قال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: "الرَّحِمُ شِجْنةٌ"، والشِّجنةُ في الأصلِ: عُروقُ الشَّجرِ المشتَبِكةُ، والمرادُ بها القَرابةُ المشتبِكةُ كاشتِباكِ العُروقِ، والمرادُ مِنها هنا أنَّها مُشتقَّةٌ "مِن الرَّحمنِ"، أي: مِن اسمِ الرَّحمنِ، فكأنَّها مُشتبِكةٌ بمعاني الرَّحمةِ اشتِباكَ العُروقِ، وقيل: في وجهِ الشِّجنةِ أنَّ حُروفَ الرَّحمِ مَوجودةٌ في اسْمِ الرَّحمنِ، ومُتداخِلةٌ فيه كتَداخُلِ العُروقِ؛ لكَونِها مِن أصلٍ واحدٍ، والمعنى: أنَّها أثَرٌ مِن آثارِ رَحمتِه، مُشتبكةٌ بها، "فمَن وصَلها"، أي: الرَّحِمَ، "وصَله اللهُ"، أي: أوصَل اللهُ إليه رَحمتَه وإحسانَه وإنعامَه، "ومَن قطَعَها"، أي: الرَّحِمَ، "قطَعه اللهُ"، أي: قطَع اللهُ عنه الرَّحمةَ والإحسانَ والإنعامَ.
وفي الحديث: الحثُّ على التراحُمِ بين الناسِ وعلى صِلةِ الأرحامِ.
وفيه: التحذيرُ الشَّديدُ مِن قَطْعِ الأرحامِ بينَ الناسِ.