‌‌باب ما جاء في سورة الإخلاص1

سنن الترمذى

‌‌باب ما جاء في سورة الإخلاص1

حدثنا قتيبة، ومحمد بن بشار، قالا: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال: حدثنا زائدة، عن منصور، عن هلال بن يساف، عن ربيع بن خثيم، عن عمرو بن ميمون، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن امرأة وهي امرأة أبي أيوب، عن أبي أيوب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أيعجز أحدكم أن يقرأ في ليلة ثلث القرآن؟ من قرأ: الله الواحد الصمد فقد قرأ ثلث القرآن " وفي الباب عن أبي الدرداء، وأبي سعيد، وقتادة بن النعمان، وأبي هريرة، وأنس، وابن عمر، وأبي مسعود: «هذا حديث حسن ولا نعرف أحدا روى هذا الحديث أحسن من رواية زائدة»، وتابعه على روايته إسرائيل، والفضيل بن عياض، وقد روى شعبة، وغير واحد من الثقات هذا الحديث عن منصور، واضطربوا فيه
‌‌

قِراءَةُ القُرآنِ فيها الخَيرُ والبَرَكةُ؛ فهو حبْلُ اللهِ المتِينُ، وفيهِ طُمَأنينَةُ النَّفسِ، وعِظَمُ الأَجْرِ، وقدْ خصَّ اللهُ تعالَى سُورةَ الإخلاصِ بفَضلٍ عَظيمٍ.
وفي هذا الحديثِ يَسْأَلُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم الصَّحابةَ مُعَلِّمًا لهم: «أَيَعْجِزُ أحدُكم أنْ يَقرَأَ في لَيْلَةٍ ثُلُثَ القُرآنِ؟» ولأنَّ الأمرَ صَعْبٌ تَعَجَّبَ الصَّحابةُ رِضوانُ اللهِ عليهم، وسَألوه صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: كيْف يَقْرَأُ أَحَدٌ ثُلُثَ القُرآنِ في ليْلةٍ واحدةٍ؟! فَأَجابَهُمُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم بأنْ قِراءةَ سُورةِ الإخلاصِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، تُساوي قِراءةَ ثُلُثِ القرآنِ، فيَحْصُلُ لقارئِها ثَوابُ قِراءةِ ثُلُثِ القرآنِ، وهي تُساوِي ثُلُثَ القرآنِ بِاعْتِبَارِ مَعَانِيهِ؛ فإنَّ القرآنَ فيه أحكامٌ، وأخبارٌ، وتَوحيدٌ، والتَّوحيدُ يَدخُل فيه مَعرِفةُ أسماءِ اللهِ تعالَى وصِفاتِه، وقَدِ اشْتَمَلَتْ هي على القِسْمِ الثَّالثِ (التَّوحيدِ)؛ فكانت ثُلُثًا بهذا الاعتبارِ، وفي رِوايةٍ في صَحيح مُسْلِمٍ: «إنَّ اللهَ جَزَّأَ القرآنَ ثَلاثةَ أجزاءٍ، فَجَعَلَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} جُزءًا مِن أجزاءِ القرآنِ»؛ وذلك لأنَّها اشتمَلَتْ على اسمَينِ مِن أسماءِ اللهِ تعالَى، مُتَضَمِّنَيْنِ كُلَّ أوصافِ الكمالِ، ولم يُوجَدَا في غيرِها مِن سُوَرِ القُرآنِ، وهما: الأَحَدُ، والصَّمَدُ؛ فإنَّهما يَدُلَّانِ على ذَاتِ اللهِ الموصوفةِ بجَميعِ أوصافِ الكمالِ، وبيانُ ذلك: أنَّ الأَحَدَ يُشْعِرُ بِوُجودِهِ الخاصِّ، الَّذي لا يُشارِكُهُ فيه أَحَدٌ غيرُهُ، والصَّمَدَ يُشْعِرُ بجميعِ أوصافِ الكمالِ؛ لأنَّهُ الَّذي بَلَغَ سُؤْدُدُه إلى مُنتهَى الرِّفْعةِ والكمالِ، والَّذي يَحْتَاجُ إليه جميعُ الخَلائقِ، وهو لا يَحْتَاجُ إلى أَحَدٍ سُبحانه.
وفي الحديثِ: بَيانُ فَضلِ سُورةِ الإخلاصِ.
وفيه: سَعَةُ عَظيمُ فَضلِ اللهِ تعالَى على عِبادِهِ؛ بأنْ جَعَلَ قِراءةَ سُورةٍ قَصيرةٍ تَعْدِلُ ثُلُثَ القرآنِ.