‌‌باب ما جاء في صفة درجات الجنة1

سنن الترمذى

‌‌باب ما جاء في صفة درجات الجنة1

حدثنا عباس العنبري قال: حدثنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا شريك، عن محمد بن جحادة، عن عطاء، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «في الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين مائة عام»: «هذا حديث حسن صحيح»

في هذا الحَديثِ يُخبِرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم عن الجنَّةِ وما فيها مِن دَرَجاتٍ ومَنازِلَ عاليةٍ، ونَعيمٍ مُقيمٍ؛ فيقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "في الجنَّةِ مِئةُ درَجةٍ"، والدَّرجةُ هي المنزِلةُ والمكانةُ العاليةُ، وقيل: يَعْني بالعدَدِ مِئةٍ أنَّه يُفيدُ كَثْرتَها، "ما بينَ كلِّ درَجَتَينِ"، أي: المسافةُ الَّتي تكونُ بينَ الدَّرَجتَين، ومِقْدارُ ارتِفاعِ كلِّ درَجةٍ عَن الأخرى "كما بيْنَ السَّماءِ والأرضِ"، أي: تكونُ مِثلَ المسافةِ بينَ السَّماءِ والأرضِ في البُعدِ، وهذه الدَّرَجاتُ بحسَبِ إيمانِ الإنسانِ وأعمالِه الصَّالحةِ، ثمَّ قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "والفِرْدَوسُ"-وهو البستانُ يكونُ فيه الشَّجَرُ والزُّهورُ والنَّباتاتُ- وهو اسمٌ لأعْلَى الجَنَّةِ، "أَعْلاها درَجةً"، أي: أفضَلُ وأعلى منزلةٍ في الجنَّةِ، وفي الفردوسِ مَنازِلُ الأنبياءِ، "ومنها"، أي: مِن الفِرْدَوسِ "تَفَجَّرُ"، أي: تَخرُجُ "أنهارُ الجنَّةِ الأربعةُ"، المذكورةُ في قولِه تعالى: {فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ}، أي: يَكونُ هذا الماءُ صافيًا لا يتَكدَّرُ، ولا يكونُ فيه قذَرٌ، {وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ}، أي: لا يَكونُ حامِضًا بطولِ الْمُقامِ، كما تتغَيَّرُ الألبانُ في الدُّنيا، بل يكونُ في مُنتَهى البياضِ، مَذاقُه طيِّبٌ، {وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ}، أي: ليسَت كريهةَ الرَّائحةِ والطَّعمِ، بل هي طيِّبةُ الطَّعمِ والرَّائحةِ، ولا تَسلِبُ العقولَ كما هي الحالُ في خمرِ الدُّنيا، {وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى} [محمد: 15]، أي: عسَلٍ يكونُ صافيًا مِن الشَّمعِ، "ومِن فَوقِها يكونُ"، أي: يكونُ أعلى الفِرْدَوسِ "العَرشُ"، أي: عرشُ الرَّحمنِ يَكونُ سَقفًا لها، "فإذا سَألتُم اللهَ"، أي: إذا دَعَوتُم اللهَ أن يُدخِلَكم في جَنَّتِه "فاسْأَلوه"، أي: فادْعُوه أن يُدخِلَكم "الفِرْدوسَ"؛ لِما لها مِن فَضلٍ ومكانةٍ عاليةٍ في الجنَّةِ.
وفي الحديثِ: تَفاوُتُ أهلِ الجنَّةِ في مَنازِلِهم.
وفيه: الحَثُّ على سُؤالِ اللهِ الفِردوسَ الأعْلَى مِنَ الجَنَّةِ.