باب ما جاء فيمن يعتق مماليكه عند موته وليس له مال غيرهم
سنن الترمذى
حدثنا قتيبة قال: حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي المهلب، عن عمران بن حصين، أن رجلا من الأنصار أعتق ستة أعبد له عند موته، ولم يكن له مال غيرهم، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، «فقال له قولا شديدا، ثم دعاهم فجزأهم، ثم أقرع بينهم، فأعتق اثنين وأرق أربعة» وفي الباب عن أبي هريرة: حديث عمران بن حصين حديث حسن صحيح وقد روي من غير وجه، عن عمران بن حصين والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم، وهو قول مالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، يرون استعمال القرعة في هذا وفي غيره، وأما بعض أهل العلم من أهل الكوفة، وغيرهم، فلم يروا القرعة، وقالوا: يعتق من كل عبد الثلث، ويستسعى في ثلثي قيمته وأبو المهلب اسمه عبد الرحمن بن عمرو الجرمي وهو غير أبي قلابة، ويقال معاوية بن عمرو، وأبو قلابة الجرمي اسمه عبد الله بن زيد
رتَّبَ الإسلامُ أولويَّاتِ النَّاسِ في النَّفقةِ والصَّدقةِ، وعلَّمَنا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كَيفيَّةَ الوصيَّةِ بعْدَ الموتِ، ويَبْقى للورثةِ ما يَنتفِعون به؛ حتَّى لا يُظلَمَ أحدٌ، ولا تَضطرِبَ الحُقوقُ والواجباتُ عندَ النَّاسِ.
وفي هذا الحديثِ يَرْوي عِمرانُ بنُ الحُصَينِ رَضيَ اللهُ عنه «أنَّ رجلًا أَعتقَ ستَّة مَملوكين» أي: كانوا عَبيدًا في مِلكهِ مُدَّةَ حَياتِه، ثمَّ إنَّه أعتَقَهم وأنْ يَكونوا أحرارًا بعْدَ مَوتِه، وفي رِوايةٍ أُخرى عندَ مُسلمٍ: «أنَّ رجُلًا مِن الأنصارِ أوْصى عندَ مَوتهِ، فأعْتَقَ سِتَّةَ مَملوكينَ» ولم يكنْ له مالٌ غيرُهم، فَطلبَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ هؤلاء الماليكَ السِّتَّةَ، فَقسَّمَهم إلى ثلاثةَ أجزاءٍ، ثُمَّ أقرْعَ بينَ الأثلاثِ أو بَيْنَ المملوكينَ السِّتةِ، فَأعتقَ اثنين، وأَبْقَى حُكْمَ الرِّقِّ على الأربعةِ، ولكَيفيَّةِ القُرْعةِ صُوَرٌ؛ كأنْ تكونَ بالخواتيمِ؛ بحيثُ يُؤخَذُ خاتَمُ هذا وخاتَمُ هذا، ويُدْفَعانِ إلى رَجُلٍ فيُخرِجُ مِنهما واحِدًا.
أو يَجعَلُ الحَكَمُ رِقاعًا صِغارًا يَكتُبُ في كلِّ واحدةٍ اسْمَ ذي السَّهمِ، ثمَّ يُجعَلُ في وِعاءٍ، ويُغطَّى عليها، ثمَّ يُدخِلُ رَجُلٌ يدَه فيُخرِجُ واحِدةً ويَنظُرُ مَن صاحِبُها فيَدفَعُها إليه.
وقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في شأْنِه قولًا شديدًا، أي: أغلَظَ له القوْلَ والذَّمِّ والوعيدَ؛ لأنَّه أخرَجَ كلَّ مالِه عن الورثةِ، ومَنَعَهم حُقوقَهم منه، وفي رِوايةِ النَّسائيِّ: «فبَلَغَ ذلك النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فغَضِبَ مِن ذلك، وقال: لقدْ هَمَمْتُ ألَّا أُصلِّيَ عليه»، وفي رِوايةِ أبي داودَ: «لوْ شَهِدتُه قبْلَ أنْ يُدفَنَ، لم يُدفَنْ في مَقابرِ المسْلِمين»، وهذا مِن التَّغليظِ في شَأنِ الوصيَّةِ الجائرةِ.
وفي الحديثِ: رعايةُ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لِرعيَّتِه، ومُتابعتُه لِتصرُّفاتِهم، وإصلاحُ أَخطائِهم.
وفيه: ثُبوتُ القُرعةِ في العتقِ ونحوِه.
وفيه: بَيانُ أنَّ العتقَ في مَرضِ الموتِ يُعتَبرُ في الثُّلثِ فقطْ.