باب ما جاء في صلاة رسول الله ﷺ خلف رجل من أمته 4
سنن ابن ماجه
حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا ابن أبي عدي، عن حميد، عن بكر بن عبد الله، عن حمزة بن المغيرة بن شعبة
عن أبيه، قال: تخلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فانتهينا إلى القوم وقد صلى بهم عبد الرحمن بن عوف ركعة، فلما أحس بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ذهب يتأخر، فأومأ إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يتم الصلاة، وقال: "قد أحسنت، كذلك فافعل" (1).
الصَّلاةُ عِبادةٌ توقيفيَّة، وقدْ علَّمنا النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أحكامَها وآدابَها، ونَقَل ذلك الصَّحابةُ رضوانُ الله عليهم، واستنَبطُوا منها الأحكامَ، وهذا الحديث يُوضِّح جانبًا من ذلك، ففيه أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم تَخلَّفَ، وذَكَر الرَّاوي القِصَّةَ، وهي: أنَّه في غزوةِ تَبُوكَ تَنحَّى النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم عَنِ الجيشِ قَبلَ الفَجْرِ فقَضى حاجَتَه، ثمَّ جاءَ فصَبَّ له المغيرةُ رَضِي اللهُ عنه الماءَ فغَسَل يدَيْه وتوَضَّأَ، ومسَح على خُفَّيهِ، ثُمَّ رَكِبَ فأَتَى النَّاسَ ولَمَّا لَحِقوا بأصحابِه الذين سَبقُوهم وجدُوهم قد دخلوا في صلاةِ الفجرِ، وقد قدَّموا عبدَ الرَّحمنِ بنَ عوفٍ رضِيَ اللهُ عنه ليُصلي بِهم؛ قال: "فأَتَيْنَا الناسَ وعبدُ الرَّحمنِ بنُ عوفٍ رَضِي اللهُ عنه يُصلِّي بهِمُ الصُّبحَ، فلمَّا رأى عبدُ الرَّحمنِ رَضِي اللهُ عنه النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم أرادَ أن يتَأخَّرَ، فأومَأَ إليه أن يَمضِيَ"، أي: أشارَ إليه أن يُتِمَّ صلاتَه، قال المُغيرةُ رَضِي اللهُ عنه: "فصَلَّيتُ أنا والنَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم خَلفَه رَكْعةً"؛ لأنَّهم كانوا قد سبَقوا برَكْعةٍ، "فلمَّا سلَّم قام النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم فصلَّى الرَّكعةَ الَّتي سبَقَ بها، ولم يَزِدْ عليها شيئًا"، أي: على أداءِ الرَّكْعةِ التي فاتَتْه، وكأنَّ المُغيرةَ يَستدِلُّ بفِعْلِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم على بَعضِ الصَّحابةِ الَّذين قالوا: إنَّ على المسبوقِ ببَعضِ الصَّلاة سُجودَ سَهوٍ؛ كأبي سَعيدٍ الخدريِّ وابنِ الزُّبيرِ وابنِ عُمر؛ فإنَّهم يقولون: مَن أدْرَك الفردَ مِن الصَّلاةِ عليه سجدتَا السَّهوِ؛ وربَّما قالوا ذلك لاحتمالِ أنْ يكونَ على الإمامِ سَهوٌ، لكنَّ حديثَ رسولِ الله عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ أَوْلَى بالاتِّباع.