باب النفساء والحائض تهل بالحج1

سنن ابن ماجه

باب النفساء والحائض تهل بالحج1

حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا عبدة بن سليمان، عن عبيد الله، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه
عن عائشة، قالت: نفست أسماء بنت عميس بالشجرة، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر أن يأمرها أن تغتسل وتهل

الحجُّ الرُّكنُ الخامسُ مِن أَركانِ الإِسْلامِ، وهوَ عِبادةٌ لمَنِ استَطاعَ إليها سَبيلًا، وَفي الحجِّ مَشقَّةٌ تَقتَضي التَّيسيرَ، ومِن ذلكَ أنَّ المَرأةَ المُحرِمةَ إذا وَلَدتْ في أَثناءِ إحْرامِها وقَبلَ البَدءِ في أَعمالِ الحجِّ، فلَها أنْ تَغتَسلَ وتَتطهَّرَ وتُهِلَّ بالحجِّ، غيرَ أنَّها لا تَطوفُ إلَّا بعدَ طَهارتِها الكاملةِ، وَفي هذا تَيسيرٌ عَليها حتَّى لا يَفوتَها الحجُّ في أيَّامِه المَعلومةِ، فتَرْوي عائشةُ أمُّ المؤمِنينَ رَضيَ اللهُ عنها أنَّ أَسْماءَ بنتَ عُمَيسٍ قد «نُفِسَتْ»، أي: وَلَدتْ، وسُمِّيَ نِفاسًا لخُروجِ النَّفَسِ، وهوَ المَولودُ أوِ الدَّمُ، وأَسْماءُ بنتُ عُمَيسٍ هيَ زَوجةُ أَبي بَكرٍ الصِّدِّيقِ رَضيَ اللهُ عنهما، فلمَّا وَلَدتِ ابنَها مُحمَّدَ بنَ أَبي بكرٍ رَضيَ اللهُ عنهما في طَريقِ الذَّهابِ لحَجَّةِ الوَداعِ في السَّنةِ العاشرةِ منَ الهِجرةِ، فأمَرَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ زَوجَها أَبا بكرٍ أنْ يَأمُرَها أنْ تَغتسِلَ مِن نِفاسِها ودَمِها، وأنْ تُهِلَّ بالحجِّ، وهذا الاغتِسالُ للنَّظافةِ، لا للطَّهارةِ؛ لأنَّ النُّفَساءَ كالحائضِ لا تَطهُرُ إلَّا بانْقِطاعِ الدَّمِ عنها.
وَالحائضُ والنُّفَساءُ يصِحُّ مِنهما جَميعُ أَفْعالِ الحجِّ إلَّا الطَّوافَ؛ لمَا رَواه النَّسائيُّ وابنُ ماجهْ عن أبي بكرٍ رَضيَ اللهُ عنه، عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قال: «وتَصنَعَ ما يَصنَعُ النَّاسُ» منَ الذِّكرِ والتَّلْبيةِ، وتقِفُ بمِنًى وعَرفاتٍ والمُزدَلِفةِ، «إلَّا أنَّها لا تَطوفُ بالبيتِ»، أي: لا تَطوفُ بالكَعبةِ المُشرَّفةِ طوافَ الرُّكنِ إلَّا بعدَ أنْ تطهُرَ منَ النِّفاسِ، ثمَّ تطوفَ.
وقَولُه: «بالشَّجرةِ» هي الشَّجرةُ الَّتي كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَنزِلُ تحتَها عندَ خُروجِه منَ المدينةِ إلى مكَّةَ للعُمرةِ أوِ الحجِّ، فكان يَنزِلُ تحتَ ظِلِّ هذه الشَّجرةِ ويُصلِّي، ثُمَّ يُهِلُّ محرِمًا يُريدُ العُمرةَ أوِ الحجَّ. وفي رِوايةِ جابرِ بنِ عبدِ اللهِ عندَ مُسلمٍ أنَّها نُفِسَتْ بِذي الحُلَيفةِ، وَفي رِوايةِ النَّسائيِّ: «بالبَيداءِ»، هَذه المَواضعُ الثَّلاثةُ مُتقاربةٌ، فالشَّجرةُ بِذي الحُلَيفةِ، وأمَّا البَيداءُ فهيَ بطَرفِ ذي الحُلَيفةِ.
وَفي الحَديثِ: صِحَّةُ إحْرامِ النُّفَساءِ والحَائضِ معَ اغتِسالِهما للإِحْرامِ.
وَفيه: تَيسيرُ الإسْلامِ ورِعايتُه للمَرأةِ النُّفَساءِ حتَّى لا يَفوتَها الحجُّ وتُضْطرَّ للعَودةِ في سَنةٍ قادمةٍ.
وفيه: الإهْلالُ بالتَّلْبيةِ عندَ الإحْرامِ في الحجِّ أوِ العُمرةِ، وأنَّ المرأةَ كالرَّجلِ في ذلك.