‌‌باب ما جاء في طول العمر للمؤمن1

سنن الترمذى

‌‌باب ما جاء في طول العمر للمؤمن1

حدثنا أبو كريب قال: حدثنا زيد بن حباب، عن معاوية بن صالح، عن عمرو بن قيس، عن عبد الله بن بسر، أن أعرابيا قال: يا رسول الله من خير الناس؟ قال: «من طال عمره، وحسن عمله» وفي الباب عن أبي هريرة، وجابر: «هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه»

حُسنُ العملِ مع طولِ العمرِ مِن الأمورِ الَّتي يُغْبَطُ عليها صاحِبُها، بعَكسِ سُوءِ العمَلِ مع طُولِ العمرِ؛ فهي ممَّا يُستَعاذُ منه.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ أبو بَكْرةَ رَضِي اللهُ عَنه: أنَّ رجُلًا قال: "يا رسولَ اللهِ، أيُّ النَّاسِ خيرٌ؟"، أي: مَن أفضَلُ النَّاسِ حالًا، فدلَّه النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم على صِفاتِ مَن هو خيرُ النَّاسِ وأَماراتِه، فقال: "مَن طال عُمرُه، وحَسُنَ عملُه"، أي: أفضلُ النَّاسِ مَن طالَ عُمرُه؛ فهو يَستَفيدُ بطُولِ عُمرِه في الزِّيادةِ مِن حَسَناتِه، وبحُسنِ العَملِ مِن الطَّاعاتِ واتِّباعِ أوامرِ اللهِ ورسولِه، وهذا يدُلُّ على سَعادةِ الدَّارَين والفوزِ بالحُسنَيَين.
ثمَّ سألَه السَّائلُ عن نَقيضِ الأوَّلِ، قال: "فأيُّ النَّاسِ شرٌّ؟"، فدَلَّه النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم على صِفاتِ مَن هو شرُّ النَّاسِ وأَماراتِه، فقال: "مَن طال عُمرُه وساء عَملُه"، أي: أسوَأُ النَّاسِ مَن طالَ عُمرُه، وعَمِل الأعمالَ السَّيِّئةَ مِن المعاصي؛ لأنَّه يَخسَرُ ويُغبَنُ مِن زيادةِ عُمرِه، بعكسِ الأوَّلِ، فكلَّما زاد عُمرُه زادَتْ سيِّئاتُه بِسُوءِ عمَلِه، وهذا يدُلُّ على التَّعاسةِ في الدَّارَين.
ولَمَّا كان سُؤالُ السَّائلِ عمَّا هو غَيبٌ لا يَعلَمُه إلَّا اللهُ تعالى، عدَل النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم عن تَحديدِ شخصٍ بعَينِه، وأجاب بأماراتٍ تدُلُّ على المسؤولِ عنه؛ فمَن وُجِدَت فيه هذه الصِّفاتُ لقي الجزاءَ المناسِبِ.
وقدْ ذكَر النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم في أحاديثَ كثيرةٍ خيرَ النَّاسِ وشرَّ النَّاسِ ممَّن يتَّصِفون بصِفاتٍ أخرى، وكذلك ذَكَر خيرَ الأعمالِ وشَرَّها، ولكنَّه في كلِّ حَديثٍ يُجيبُ بما يُراعي به حالَ السَّائلِ، أو بما يُعْلِمُ به أمَّتَه مِن أحوالٍ مُتعدِّدةٍ يُمكِنُ أنْ يوصَفَ فيها المرءُ بالخيرِ فيَزيدَ فيها، أو يوصَفَ فيها بالشَّرِّ فيَحْذَرَ منها.
وفي الحديثِ: الحثُّ على التَّزوُّدِ مِن الطَّاعاتِ كلَّما زاد العُمرُ.
وفيه: أنَّ الزِّيادةَ في عُمرِ المُحسِنِ علامةُ خيرٍ، والزِّيادةَ في عُمرِ المسيءِ علامةُ شرٍّ.