‌‌باب ما جاء في فضل من شاب شيبة في سبيل الله2

سنن الترمذى

‌‌باب ما جاء في فضل من شاب شيبة في سبيل الله2

حدثنا إسحاق بن منصور المروزي قال: أخبرنا حيوة بن شريح الحمصي، عن بقية، عن بحير بن سعد، عن خالد بن معدان، عن كثير بن مرة، عن عمرو بن عبسة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من شاب شيبة في سبيل الله كانت له نورا يوم القيامة»: هذا حديث حسن صحيح غريب، وحيوة بن شريح هو: ابن يزيد الحمصي
‌‌

في هذا الحديثِ يُعدِّدُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم أبوابَ الفَضلِ والخيرِ الَّتي يَنبغي أنْ يَحرِصَ عليها المسلِمُ في تَحصيلِ الأجرِ والثَّوابِ العَظيمِ، فيقولُ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "مَن شابَ شَيبةً في سَبيلِ اللهِ تعالى"، أي: استوطَن الجِهادَ والغَزوَ حتَّى يَبدُوَ الشَّيبُ في شَعرِ رَأسِه أو لِحيتِه، وقيل: سواءٌ كان في الغَزوِ أو الحَجِّ أو طلَبِ العِلمِ، أو في الإسلامِ- كما في رِوايةٍ أخرى- "كانت له"، أي: كان أجرُه بكلِّ شَيبةٍ، "نورًا يومَ القيامَةِ"، أي: تُضيءُ له ظُلماتِ يومِ القيامَةِ.
"ومَن رمَى بسَهمٍ في سَبيلِ اللهِ تعالى بلَغ العَدوَّ"، أي: أصاب به أحَدًا مِن العَدُوِّ، "أو لَم يَبلُغْ"، أي: لَم يُصِبْ به أحدًا مِن العُدوِّ، "كان له كعِتقِ رقَبَةٍ"، أي: كان جَزاؤُه وأجرُه كأجْرِ مَن أَعتَق وحرَّرَ مملوكًا مِن العبوديَّةِ. وفي روايةٍ: "مَن بلَغ بسَهمٍ في سَبيلِ اللهِ، فهو له درَجةٌ في الجنَّةِ"، وفي حديثٍ آخَرَ أخرَجَه مسلمٌ في صحيحِه قال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: "أَلا إنَّ القُوَّةَ الرَّمْيُ، ألا إنَّ القُوَّةَ الرَّميُ، ألا إنَّ القوَّةَ الرَّميُ"؛ فبيَّن أنَّ الرَّميَ هو مِن القوَّةِ الحقيقيَّةِ في الحَربِ؛ لأنَّه أسرَعُ وصولًا للعدوِّ، وأكثَرُ إصابةً لهم مع حِفظِه للمسلمين والدِّفاعِ عنهم مِن بعيدٍ.
ثمَّ قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "ومَن أَعتق رَقبةً مؤمِنةً"، أي: حرَّر مملوكًا مِن العبوديَّةِ، "كانتْ له فِداءَه مِن النَّارِ عُضوًا بعضوٍ"، أي: يَنجو بعِتقِه للمملوكِ مِن النَّارِ، حتَّى تكونَ أعضاءُ المملوكِ فِداءً لأعضاءِ مَن أَعتقَه وحرَّره.
وفي الحديثِ: فَضلُ مَن شابَ وهو على الجِهادِ، والحثُّ عليه، وكذلك
الرَّميُ في سَبيلِ اللهِ عزَّ وجلَّ، وعِتقُ الرِّقابِ .