‌‌باب ما جاء في كراهية الحلف بغير الله3

سنن الترمذى

‌‌باب ما جاء في كراهية الحلف بغير الله3

حدثنا قتيبة قال: حدثنا أبو خالد الأحمر، عن الحسن بن عبيد الله، عن سعد بن عبيدة، أن ابن عمر سمع رجلا يقول: لا والكعبة، فقال ابن عمر: لا يحلف بغير الله، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك»: هذا حديث حسن وفسر هذا الحديث عند بعض أهل العلم: أن قوله «فقد كفر أو أشرك» على التغليظ، والحجة في ذلك حديث ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع عمر يقول: وأبي وأبي، فقال: «ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم»، وحديث أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من قال في حلفه واللات، والعزى فليقل: لا إله إلا الله ": هذا مثل ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الرياء شرك» وقد فسر بعض أهل العلم هذه الآية: {فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا} [الكهف: 110] الآية، قال: لا يرائي
‌‌

الحلِفُ والقَسمُ لا يَكونُ إلَّا باللهِ عزَّ وجلَّ أو أحدِ صفاتِه.
وفي هذا الحديثِ أنَّ عبدَ اللهِ بنَ عُمرَ رضيَ اللهُ عنهما سمعَ رجلًا يحلفُ بـ(لا والكعبةِ)، أي: يُقسِم بغيرِ اللهِ، فقالَ له ابنُ عمرَ، أي: مُنبِّهًا للرجُلِ على قَسمِه مِن نَهيٍ، أنَّه سمعَ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم يقولُ: مَن حلَفَ بغَيرِ اللهِ فقدْ أشرَكَ، أي: أشركَ معَه غيرَه عزَّ وجلَّ.
وهذا للزَّجرِ والتَّغليظِ في النَّهيِ والامتِناع عنْ مثلِ هذا الحلِفِ، وليسَ هذا شِركًا محضًا؛ فالحلفُ بغيرِ اللهِ من الشِّركِ الأصغرِ كما هو مَذهبُ أهلِ السُّنة والجَماعةِ، وقدْ نَهَى عَنه الشرعُ؛ لأنَّه ذَريعةٌ إلى الشِّركِ الأكبرِ ووَسِيلةٌ للوُقوعِ فيهِ، بخلافِ مَن تعمَّد الحلفَ بغيرِ ذاتِ اللهِ، وكان حالفًا بما يُشرك به مِثلَ الحلفِ بالنَّصرانيةِ وغيرِها، فهذا كُفرٌ مَحضٌ.
والشِّركُ الأصغرُ لا يُخرجُ مَن وقعَ فيهِ مِن مِلَّةِ الإسلام، ولكنَّه مِن أكبرُ الكبائرِ بَعدَ الشِّركِ الأكبرِ؛ ولذا قالَ عبدُ اللهِ بنُ مَسعودٍ رضيَ اللهُ عنه: (لأن أحلِفَ باللهِ كاذِبًا أحبُّ إليَّ مِن أن أحلِفَ بغيرِه صادِقًا)، وعلى هذا فمِن أحكامِ مَن وقعَ في الشِّركِ الأصغَرِ أن يُعاملَ معاملةَ المسلمينَ، ولا يُخلَّدَ في النارِ إنْ دخلَها كسائرِ مُرتكبي الكبائرِ عندَ أهل السنةِ والجماعةِ، خِلافًا للخوارجِ والمعتزلةِ.