‌‌باب ما جاء فيمن يحلف بالمشي ولا يستطيع1

سنن الترمذى

‌‌باب ما جاء فيمن يحلف بالمشي ولا يستطيع1

حدثنا عبد القدوس بن محمد العطار البصري قال: حدثنا عمرو بن عاصم، عن عمران القطان، عن حميد، عن أنس قال: نذرت امرأة أن تمشي إلى بيت الله، فسئل نبي الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك؟ فقال: «إن الله لغني عن مشيها، مروها فلتركب» وفي الباب عن أبي هريرة، وعقبة بن عامر، وابن عباس: حديث أنس حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه. والعمل على هذا عند بعض أهل العلم، وقالوا: إذا نذرت امرأة أن تمشي فلتركب ولتهد شاة
‌‌

النَّذرُ: هو إيجابُ الإنسانِ على نَفسِه فِعلًا لم يجِبْ عليه، فإذا كان المَنذورُ مُستطاعًالا يَعجِزُ العَبدُ عن الوَفاءِ به، وكان طاعةً لم تَشتمِلْ على مَعصيةٍ؛ فإنَّه يَجِبُ الوَفاءُ به، وقدْ يسَّرتِ الشريعةُ الإسلاميَّةُ في الوفاءِ به.
وفي هذا الحديثِ يَرْوي عُقبةُ بنُ عامرٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ أُختَه قد نَذَرَت أن تَمْشيَ إلى بَيتِ اللهِ الحرامِ، ولَمَّا شَعَرَتْ بالحرَجِ وبعَدمِ قُدرتِها على الوَفاءِ بنَذْرِها، طلَبَتْ مِن أخيها عُقبةَ بنِ عامرٍ رَضيَ اللهُ عنه أنْ يَستفتيَ لها رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: هلْ يَلزَمُها الوفاءُ بنَذرِها مع عدَمِ قُدرتِها أو لا؟ فلمَّا استَفْتى النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال له: لتَمشِ ولتَرْكَبْ، أي: لتَمْشِ ما استطاعَتْ، ولْتَرْكَبْ عِندَما لا تَستطيعُ المشْيَ.
وقيل: إنَّ مَن نذَرَ المشْيَ لا يَلزَمُه ذلك، سواءٌ قدَرَ عليه أو لا؛ لأنَّ المشْيَ نفْسَه غيرُ طاعةٍ، إنَّما الطَّاعةُ الوصولُ إلى ذلك المكانِ، كالبيتِ العَتيقِ، مِن غَيرِ فرْقٍ بيْن المشْيِ والرُّكوب؛ ولهذا سوَّغ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الرُّكوبَ لأختِ عقبةَ بنِ نافعٍ مع أنَّها نذَرَتِ المشيَ، فكان ذلك دالًّا على عدمِ لُزومِ النَّذرِ بالمشْيِ، وإنْ دخَل تحتَ الطَّاقةِ.
وإنَّما أمَرَ الشَّيخَ الكبيرَ بالرُّكوبِ في حَديثِ أنسٍ الذي في الصَّحيحَينِ؛ لأنَّه كان شَيخًا ظاهرَ العجْزِ، وأمَر أُختَ عُقبةَ بالمشْيِ والرُّكوبِ معًا؛ لأنَّها لم تُوصَفْ بالعجزِ، فكأنَّه أمَرها أنْ تَمشِيَ إنْ قدَرَتْ، وتَركَبَ إنْ عَجَزَتْ.
وفي الحديثِ: بَيانُ تَيسيرِ الشَّرعِ في مَواطنِ الاضطرارِ والشِّدَّةِ.
وفيه: أنَّ تَكاليفَ الدِّينِ مَبنيَّةٌ على قدْرِ استطاعةِ العبْدِ على العمَلِ.