باب ما جاء في كراهية العزل
سنن الترمذى
حدثنا ابن أبي عمر، وقتيبة، قالا: حدثنا سفيان بن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن قزعة، عن أبي سعيد قال: ذكر العزل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «لم يفعل ذلك أحدكم»: زاد ابن أبي عمر في حديثه، ولم يقل: «لا يفعل ذاك أحدكم»، قالا في حديثهما: «فإنها ليست نفس مخلوقة إلا الله خالقها» وفي الباب عن جابر.: حديث أبي سعيد حديث حسن صحيح، وقد روي من غير وجه عن أبي سعيد وقد كره العزل قوم من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم
كلُّ مخلوقٍ كتَب اللهُ أجَلَه وذُرِّيَّتَه، وجَفَّ القلمُ على ذلك؛ ولذا كان العزلُ عنِ النِّساء- منعًا للولدِ- مِن الأمورِ الَّتي لا طائلَ وراءَها.
وفي هذا الحديثِ يقول أبو سعيدٍ رَضِي اللهُ عَنه: "ذُكِرَ العزلُ"، أي: عزلُ الذَّكَرِ عن الفَرْجِ إذا قارَب نزولُ المنيِّ "عند رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم"، أي: في مجلسِه، فعقَّب النَّبيُّ صلَّى الله عيه وسلم فقال: "لِمَ يفعَلُ ذلك أحدُكم؟!"، أي: استفهَمَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم بصيغةِ الإنكارِ لفعلِهم ذلك، فمَن يفعَلُ ذلك لا يريدُ الولدَ في ذلك الوقتِ، وكلُّ ذلك يأتي بقدَرِ اللهِ؛ فإن أراد اللهُ له الولَدَ كان، وربَّما نزَل منه قبل أن يعزِلَ وهو لا يشعُرُ، فيأتيه أمرُ اللهِ وقَضاؤُه.
قال التِّرمذيُّ: زاد ابنُ أبي عُمرَ في حَديثِه، ولم يَقُلْ: "لا يَفعَلْ ذاك أحدُكم"، أي: ولَم يُصرِّحِ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لأصحابِه رضي اللهُ عنهم بالنَّهيِ، وإنَّما أشارَ إلى أنَّ الأَوْلى تَرْكُ ذلك، وفي روايةِ البخاريِّ قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "أوَإنَّكم تَفعَلون ذلك؟ لا علَيكم ألَّا تَفعَلوا ذلكم"، ثمَّ قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "فإنَّها ليستْ نَفْسٌ مخلوقةٌ"، أي: قدَّر اللهُ لها عزَّ وجلَّ أن تُخلَقَ، "إلَّا اللهُ خالِقُها"، وفي روايةٍ: "إلَّا هي خارجةٌ"، أي: جعَل السَّببَ لِخُروجِها وإن احتَاطَ لها الرَّجلُ بالعَزْلِ.
قيل: مِن أسبابِ العزلِ كونُ المرأةِ المعزولِ عنها تُرضِعُ، فيُخشَى على مَن تُرضِعُه في ذلك، أو أن يكونَ الرَّجلُ قليلَ المالِ، فيرغبَ في قلَّةِ العيالِ، أو خشيةَ أن يَلِدَ مِن أمَةٍ فيكونَ الولدُ رقيقًا، وكلُّ تلك الأسبابِ لا تُغْني عن أمرِ اللهِ وقضائِه شيئًا، والرَّزَّاقُ هو اللهُ ).