باب ما جاء في كراهية كتابة العلم
سنن الترمذى
حدثنا سفيان بن وكيع قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري، قال: «استأذنا النبي صلى الله عليه وسلم في الكتابة فلم يأذن لنا»: «وقد روي هذا الحديث من غير هذا الوجه أيضا عن زيد بن أسلم» رواه همام، عن زيد بن أسلم
وفي هذا الحديثِ يقولُ أبو سعيدٍ رَضيَ اللهُ عنه: "اسْتأذنَّا النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في الكِتابةِ"، أي: طَلَبْنا الإذنَ منه في كتابةِ أحاديثِهِ وكلامِهِ "فلَمْ يَأذَنْ لنا"، أي: مَنَعَهم مِنَ كِتابةِ أحاديثِهِ، ولكنْ في الصَّحيحَينِ أنَّه لَمَّا خطَب رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم بعدَ فتْحِ مَكَّةَ، قامَ رجلٌ مِن أهلِ اليَمنِ فقال: اكتُبْ لي يا رسولَ اللهِ، فقال صلَّى الله عليه وسلَّم: اكتُبوا لأبي شاهٍ"، وهذا أمرٌ صريحٌ بالكتابةِ، وفي الصَّحيحَينِ أيضًا أنَّه لَمَّا اشتدَّ وجعُ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، قال: "ائتوني بكِتابٍ أكتبْ لكم كِتابًا لا تضلُّوا بَعْدَه"؛ فقيل: كان ذلك النهيُ عن الكتابةِ في بدايةِ الأمرِ، ثُمَّ اسْتَقرَّ الأمرُ على مشروعيَّةِ كتابةِ الحديثِ؛ فيكون الإذنُ في الكتابةِ ناسخًا، والنهيُ منسوخًا، وكان النهيُ لعِلَّةٍ، فلمَّا زالتِ العلةُ أُذِنَ في الكتابةِ؛ فربَّما كان المانعُ منه هو خَشيةَ اخْتِلاطِ حديثِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بالقرآنِ، فنَهى عن كِتابتِهِ إلَّا في أفرادٍ وحوادثَ قليلةٍ لمُحتاجٍ ونَحوِهِ، فلمَّا كَمَلَ الوحيُ انْتَفَتْ تِلْكَ العِلَّةُ.