باب ما جاء في كم يستحب يختم القرآن 1

سنن ابن ماجه

باب ما جاء في كم يستحب يختم القرآن 1

حدثنا أبو بكر بن خلاد الباهلي، حدثنا يحيى بن سعيد، عن ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، عن يحيى بن حكيم بن صفوان
عن عبد الله بن عمرو، قال: جمعت القرآن فقرأته كله في ليلة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إني أخشى أن يطول عليك الزمان وأن تمل، فاقرأه في شهر" فقلت: دعني أستمتع من قوتي وشبابي، قال: "فاقرأه في عشر" قلت: دعني أستمتع من قوتي وشبابي، قال: "فاقرأه في سبع" قلت: دعني أستمتع من قوتي وشبابي، فأبى (2).

القُرآنُ كلامُ الله تعالى، وقراءتُه ينبغي أن تكونَ بتدبُّرٍ وفهمٍ للمعاني؛ حتى يتسنَّى للمسلم أن يُطبِّقَ ما فيه من أوامرَ ونواهٍ وتوجيهات؛ ولذلك أمَر النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالمداوَمةِ على قِراءةِ القُرآنِ بالتَّدبُّرِ كما أمَرَ بأن يُختَمَ القرآنُ قِراءةً في مدَّةٍ مِن الأيَّامِ يتمَكَّنُ فيها القارئُ مِن الفَهمِ والتَّدبُّرِ.
وفي هذا الحديثِ يُخبرُ عبدُ اللهِ بنُ عمرِو بنِ العاصِ رضِيَ اللهُ عنهما أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال له: "اقرَأِ القرآنَ في شهرٍ"، أي: اختِمْ قراءتَه في شهرٍ؛ وهذا أنفَعُ في التَّدبُّرِ والفَهمِ، قال: "إنِّي أجِدُ قوَّةً"، أي: أمتلِكُ مِن القوَّةِ والطَّاقةِ الَّتي أستطيعُ بها أن أَخْتِمَ في أقلَّ مِن شهرٍ، فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "اقرَأْ في خمسَ عشْرةَ"، أي: اختِمْه في نصفِ شهرٍ، فقال عبدُ اللهِ: "إنِّي أجِدُ قوَّةً"، أي: أَقدِرُ على خَتْمِه في أقلَّ مِن ذلك، فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "اقرَأْ في عَشْرٍ"، أي: اختِمْه في عَشرِ ليالٍ، قال عبدُ اللهِ: "إنِّي أجِدُ قوَّةً".
وهكذا ظلَّ يطلُبُ أن يُقلِّلَ له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في المدَّةِ الَّتي يَختِمُ فيها القرآنَ؛ لأنَّه قويٌّ ويَقدِرُ على القِراءةِ والفَهْمِ حتَّى وصَل إلى أقلِّ مدَّةٍ سَمَح له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بخَتْمِ القرآنِ فيها، فقال له صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "اقرَأْ في سبعٍ"، أي: اختِمْه في سَبعِ ليالٍ، "ولا تَزيدَنَّ على ذلك" أي: ولا تَزيدَنَّ في طلَبِ النُّقصانِ، وفي روايةٍ: أنَّه قال للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "إنِّي أُطيقُ أكثرَ، فما زال حتَّى قال له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "في ثلاثٍ"، أي: اختِمْه في ثَلاثِ ليالٍ.
وقد كانَت للسَّلَفِ عاداتٌ مُختلِفةٌ فيما يَقرَؤون كلَّ يومٍ بحسَبِ أحوالِهم، وأفهامِهم، ووَظائفِهم، فكان بعضُهم يَختِمُ القرآنَ في كلِّ شهرٍ، وبعضُهم في عِشرين يومًا، وبعضُهم في عشَرةِ أيَّامٍ، وبعضُهم أو أكثرُهم في سبعةٍ، وكثيرٌ مِنهم في ثلاثةٍ، وكثيرٌ في يومٍ وليلةٍ، وبعضُهم في كلِّ ليلةٍ، وبعضُهم في اليومِ واللَّيلةِ ثلاثَ خَتماتٍ، وبعضُهم ثَمانَ خَتماتٍ، والمختارُ أنَّه يُستكثَرُ منه ما يُمكِنُه الدَّوامُ عليه، ولا يَعتادُ إلَّا ما يَغلِبُ على ظنِّه الدَّوامُ عليه في حالِ نَشاطِه.