باب ما جاء في مثل الله لعباده1
سنن الترمذى
حدثنا علي بن حجر السعدي قال: حدثنا بقية بن الوليد، عن بحير بن سعد، عن خالد بن معدان، عن جبير بن نفير، عن النواس بن سمعان الكلابي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله ضرب مثلا صراطا مستقيما، على كنفي الصراط سوران لهما أبواب مفتحة، على الأبواب ستور وداع يدعو على رأس الصراط وداع يدعو فوقه {والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم} [يونس: 25] والأبواب التي على كنفي الصراط حدود الله فلا يقع أحد في حدود الله حتى يكشف الستر والذي يدعو من فوقه واعظ ربه ": «هذا حديث حسن غريب» سمعت عبد الله بن عبد الرحمن، يقول: سمعت زكريا بن عدي، يقول: قال أبو إسحاق الفزاري: «خذوا عن بقية ما حدثكم عن الثقات ولا تأخذوا عن إسماعيل بن عياش ما حدثكم عن الثقات ولا غير الثقات»
مِن الأساليبِ التي امتازَ بها البَيانُ في القرآنِ والسُّنَّةِ النَّبويَّةِ: ضَربُ الأمثالِ لِتَقريبِ المفاهيمِ للنَّاسِ عندَ وَعْظِهم وتَعليمِهم، وفي هذا الحديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "إنَّ اللهَ ضرَب مَثلًا"، أي: بيَّن مَثلًا لعِبادِه، "صِراطًا مُستقيمًا"، وهو: الطَّريقُ الممتَدُّ الَّذي لا اعوِجاجَ فيه، "على كنَفَيِ الصِّراطِ"، أي: على جانِبَيْ هذا الطَّريقِ، "زُورانِ"، أي: جِداران، "لهما"، أي: يتَخلَّلُ هذين الجِدارَينِ "أبوابٌ مفتَّحةٌ، على الأبوابِ سُتورٌ"، جمعُ سِتْرٍ، والمعنى: أنَّه مُلْقًى على تلك الأبوابِ ستائِرُ لا تُظهِرُ للمارِّ مِن على الصِّراطِ مَن بداخِلِها، "وداعٍ يَدْعو على رأسِ الصِّراطِ"، أي: في أوَّلِه، والمرادُ بالدَّاعي: هو مَن يُرشِدُ للنَّاسِ أمْرَهم على هذا الطَّريقِ، وفي حديثٍ مِن روايةِ عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ رَضِي اللهُ عَنه: أنَّ هذا الدَّاعيَ يَقولُ لِمَن يَمُرُّ على الصِّراطِ: "استَقيموا على الصِّراطِ ولا تَعوَجُّوا"، "وداعٍ يَدْعو فوقَه"، أي: وهناك داعٍ آخَرُ فوقَ الدَّاعي الَّذي يَدْعو النَّاسَ على رأسِ الصِّراطِ؛ يقولُ لهم: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [يونس: 25]، أي: إنَّ النَّجاةَ في الاستِقامةِ على هذا الصِّراطِ وعدَمِ الاعوِجاجِ عنه، "والأبوابُ الَّتي على كنفَيِ الصِّراطِ حُدودُ اللهِ"، أي: مَحارِمُه الَّتي نَهى عنها العبادَ، "فلا يقَعُ أحَدٌ في حدودِ اللهِ حتَّى يُكشَفَ السِّترُ"، أي: الَّذي على تِلك الأبوابِ؛ فمَن انتَهَك المحارمَ هتَكَ السُّتورَ، "والَّذي يَدْعو مِن فَوقِه واعِظُ ربِّه"، قيل: هي لَمَّةُ الملَكِ في قلبِ كلِّ مؤمنٍ، واللَّمَّةُ الأخرى هي لَمَّةُ الشَّيطانِ.
وفي حديثٍ آخَرَ: أنَّ الصِّراطَ الَّذي ضُرِب به المثَلُ هو الإسلامُ، وأنَّ الأبوابَ المفتَّحةَ مَحارِمُ اللهِ، وأنَّ السُّتورَ المُرْخاةَ حدودُ اللهِ، وأنَّ الدَّاعيَ على رأسِ الصِّراطِ هو القرآنُ، وأنَّ الدَّاعيَ مِن فوقِه هو واعِظُ اللهِ في قلبِ كلِّ مؤمنٍ.
وفي الحديثِ: الأمرُ باتِّباعِ القرآنِ وما جاء فيه من أوامِرَ ونواهٍ، والنَّهيُ عن الوُقوعِ في مَحارِمِ اللهِ عزَّ وجلَّ.