‌‌باب ما جاء فيمن روى حديثا وهو يرى أنه كذب

سنن الترمذى

‌‌باب ما جاء فيمن روى حديثا وهو يرى أنه كذب

حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال: حدثنا سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن ميمون بن أبي شبيب، عن المغيرة بن شعبة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من حدث عني حديثا وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين» وفي الباب عن علي بن أبي طالب، وسمرة: «هذا حديث حسن صحيح» وروى شعبة، عن الحكم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن سمرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث، وروى الأعمش، وابن أبي ليلى، عن الحكم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن علي، عن النبي صلى الله عليه وسلم «وكأن حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى عن سمرة عند أهل الحديث أصح» سألت أبا محمد عبد الله بن عبد الرحمن، عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «من حدث عني حديثا وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين» قلت له: من روى حديثا وهو يعلم أن إسناده خطأ أيخاف أن يكون قد دخل في حديث النبي صلى الله عليه وسلم؟ أو إذا روى الناس حديثا مرسلا فأسنده بعضهم أو قلب إسناده يكون قد دخل في هذا الحديث؟ فقال: «لا، إنما معنى هذا الحديث إذا روى الرجل حديثا ولا يعرف لذلك الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أصل فحدث به فأخاف أن يكون قد دخل في هذا الحديث»
‌‌_________

يَنبغِي التَّحرِّي والتَّثبُّتُ في نَقْلِ حديثِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم على تَمامِه، ولِمَن حرَص على ذلك أجرٌ عظيمٌ، وللمُتهاوِنِ به وِزرٌ جَسيمٌ.
وفي هذا الحديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "مَن حدَّث عنِّي"، أي: عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم "حديثًا وهو يُرى" بالضَّمِّ أي يَظُنُّ، وبالفتحِ بمعنى يَعلَمُ، "أنَّه كَذِبٌ"، أي: لم يَقُلْه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم "فهو أحَدُ الكاذِبَينِ"، بالتَّثنيةِ، أي: الكاذِبُ والنَّاقلُ عنه، وعلى الجمعِ؛ أي: بعدَدِ النَّقَلةِ للحديثِ الَّذي لم يَقُلْه.
والمعنى: أنَّه شارَك في الإثمِ، وهو أحَدُ الوضَّاعين والكاذِبين، يعني: أنَّ الكاذِبَ الأوَّلَ الَّذي أنشأَ الخبرَ والثَّاني هو الَّذي حدَّث به وهو يَظُنُّ أو يعلَمُ أنَّه كَذبٌ، فهو أحَدُ الكاذِبَين، وهو مِن جُملةِ الكاذِبِين ومن جُملةِ الوضَّاعِين، والكذبُ على النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم مِن أشدِّ أنواعِ الكَذِبِ وليس كالكذِبِ على أحدِ الناسِ.
وفي الحديثِ: الزَّجرُ الشَّديدُ في نقلِ حَديثٍ عَلِمَ أو ظَنَّ أنَّه كذَب على النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، والتَّحذيرُ الشَّديدُ مِن التَّحديثِ بالضَّعيفِ أو الموضوعِ عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم إلَّا على وجهِ البيانِ بأنَّه ليس بصَحيحٍ.