‌‌باب ما جاء فيمن يجيء إلى الوليمة من غير دعوة

سنن الترمذى

‌‌باب ما جاء فيمن يجيء إلى الوليمة من غير دعوة

حدثنا هناد قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن شقيق، عن أبي مسعود قال: جاء رجل يقال له أبو شعيب إلى غلام له لحام، فقال: اصنع لي طعاما يكفي خمسة، فإني رأيت في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم الجوع، قال: فصنع طعاما، ثم أرسل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فدعاه، وجلساءه الذين معه، فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم اتبعهم رجل لم يكن معهم حين دعوا، فلما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الباب، قال لصاحب المنزل: «إنه اتبعنا رجل لم يكن معنا حين دعوتنا، فإن أذنت له دخل»، قال: فقد أذنا له فليدخل: «هذا حديث حسن صحيح» وفي الباب عن ابن عمر
‌‌

لقدْ أحَبَّ الصَّحابةُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حُبًّا شديدًا، فالْتَفُّوا حَولَه، وسارَعوا في مَرضاتِه، وقَضاءِ حَوائجِه.
وفي هذا الحديثِ يَروي أبو مَسعودٍ عُقبةُ بنُ عمرٍو الأنصاريُّ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه لَمَّا رَأى أبو شُعَيبٍ الأنصاريُّ رَضيَ اللهُ عنه ما على وَجْهِ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن أَثَرِ الجُوعِ، قال لخادمٍ له -أو أَجيرٍ- له قَصَّابٍ -أي: جَزَّارٍ، وهو الَّذي يَقومُ بالذَّبحِ- وفي رِوايةٍ في الصَّحيحَينِ: «لَحَّامٍ» -وهو الَّذي يَبيعُ اللَّحْمَ-: اصْنَعْ لي طَعامًا يَكْفي خَمسةً مِن النَّاسِ، أَحَدُهم رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وإنَّما صَنَعَ طَعامًا يَكفي خَمسةً؛ لعِلمِه أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سيَتبَعُه مِن أصحابِه غيرُه، ويَحتمِلُ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان يَجلِسُ معه أربعةٌ، فَدَعاهُم رَضيَ اللهُ عنه بعْدَ أنْ صَنَعَ لهم الطَّعامَ، فَجاءَ معهم رَجُلٌ سادِسٌ لم يَكُنْ معهم حِين دَعاهم، فاستَأذَنَ له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أبا شُعيبٍ رَضيَ اللهُ عنه، بَيانًا لحالِهِ، وتَطييبًا لقلْبِه ولقَلْبِ المُستأذَنِ؛ وذلك لأنَّه لم يُدْعَ، فَأَذِنَ له أبو شُعَيْبٍ استجابةً لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
وإنَّما تَوقَّفَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في إذْنِه لهذا الرَّجلِ السادسِ؛ بخِلافِ استرسالِه في طَعامِ أبي طَلحةَ، والَّذي دَعا فيه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ جَمْعًا مِن الصَّحابةِ، ودونَ أنْ يَستأذِنَ لهم مِن أبي طَلْحةَ، كما في الصَّحيحَينِ؛ لأنَّ الدَّاعيَ في هذه القِصَّةِ حصَرَ العدَدَ حِينما قال لغلامِه: «طَعامَ خَمسةٍ»، ولم يُطلِقْها، وفي هذا تَوجيهٌ لَطيفٌ إلى أنَّ الدَّعواتِ المُحدَّدةَ العدَدِ يَنبغي أنْ يَلتزِمَ بها المَدْعُوون تُجاهَ الدَّاعي، وإلَّا استَأْذَنوا لِمَن رافَقَهم.
وفي الحديثِ: مِن حُسنِ الضِّيافةِ أنَّ مَن دَعا شَخْصًا دَعا مَعه أصْحابَهُ الَّذين هُم أهْلُ مُجالَسَتِه.
وفيه: أنَّه مَن أراد أنْ يَدْعوَ جَماعةً عليه أنْ يَصنَعَ لهم مِن الطَّعامِ كِفايَتَهم، ولا يُضَيِّقَ عليْهم.
وفيه: أنَّه لا بَأْسَ لمَن وَجَدَ جَماعةً يَذهَبونَ إلى مَكانٍ أنْ يَتْبَعَهم؛ لأنَّه لو كان هذا مَمنوعًا لَنَهى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الَّذي تَبِعَه، ولَرَدَّهُ، وإنَّما المَمنوعُ دُخولُه مَعهُ بِغيرِ إذْنِ صاحِبِ الدَّعوةِ وَرِضاهُ.
وفيه: أنَّه يَنبَغي للدَّاعي إذا استَأْذَنَه المَدْعوُّ فيمَنْ تَبِعَه أنْ يَأذَنَ له، كَما فَعَلَ أبو شُعَيْبٍ. وهذا مِن مَكارِمِ الأَخْلاقِ.
وفيه: مَنْعُ أكْلِ طَعامِ شَخْصٍ دونَ إذنِه.
وفيه: مَشروعيَّةُ الاكتِسابِ بصَنْعةِ الجِزارةِ.
وفيه: إجابةُ الإمامِ، والشَّريفِ، والكبيرِ دَعوةَ مَن دُونَهم.