باب ما ذكر في طيء
بطاقات دعوية
عن عدي بن حاتم - رضي الله عنه - قال أتيت عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فقال لي إن أول صدقة بيضت وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ووجوه أصحابه صدقة طيئ جئت بها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (م 7/ 180
كان عَدِيُّ بنُ حاتِمٍ رضِيَ اللهُ عنه نَصرانِيًّا، وكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَرْجُو إسلامَه، فمَنَّ اللهُ عليه بالإسلامِ، وحَسُنَ إسلامُه، وكَثُرتْ فَضائِلُه.
وفي هذا الحَديثِ تَظهَرُ مَعرِفةُ عُمرَ بنِ الخطَّابِ رضِيَ اللهُ عنه لفَضْلِ عَدِيِّ بنِ حاتِمٍ رضِيَ اللهُ عنه ومَكانتِه؛ وفيه: أنَّ عَدِيًّا قدِمَ عليه في خِلافتِه في وَفْدٍ، فجعَلَ عُمَرُ يَدعُو رجُلًا رجُلًا ويُسمِّيهم ويَفرِضُ للرَّجُلِ مِن طيِّئٍ في ألْفَينِ"، أي: يَفرِضُ لهم في سِجلَّاتِ العَطاءِ ألْفينِ من الدَّراهم، وهو يُؤخِّرُ في ذلك عَدِيَّ بنَ حاتِمٍ رضِيَ اللهُ عنه ويُعرِضُ عنه، فلمَّا رَأَى عَدِيٌّ رضِيَ اللهُ عنه ذلك اسْتَقْبَلَ عُمَرَ فأعرَض عنه عُمرُ، ثُمَّ أتاه عَدِيٌّ مِن حِيالِ وَجهِه، أي: مِن قِبَلِ وَجْهِه، فأعرَضَ عنه عُمرُ أيضًا، فقال عَدِيٌّ لِعُمَرَ رضِيَ اللهُ عنه: "أتَعْرِفُني"؟ قال عَدِيٌّ رضِيَ اللهُ عنه: "فضَحِكَ"، أي: عمَرُ رضِيَ اللهُ عنه، "حتَّى استَلْقى لِقفاهُ"، كِنايةً عن شِدَّةِ ضَحِكِه، فقال عُمَرُ رضِيَ اللهُ عنه: "نعمْ، واللهِ إنِّي لَأعرِفُك؛ آمنْتَ إذ كَفَروا، وأقبلْتَ إذ أدْبَروا، ووفَّيْتَ إذ غَدَروا"، يُشِيرُ بذلك إلى وَفاءِ عَدِيٍّ رضِيَ اللهُ عنه بالإسلامِ، وأنَّه أحضَرَ صَدقةَ قومِه بعدَ موتِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عندما منَعَها أكثرُ العَربِ، وكان المُوجِبُ لانصرافِ عُمرَ عن عَديٍّ قولَه: "إنَّما فرضْتُ"، أي: أعطاهم دونَ غيرِهم، "لقومٍ أجحَفَتْ بهم الفاقَةُ"، أي: أفقرَتْهم الحاجةُ وأذهَبَتْ أموالَهم، "وهم سادةُ عَشائرِهم لِمَا يَنوبُهم مِن الحُقوقِ"، أي: ولأنَّ النَّاسَ يَقصِدونَهم في حوائجِهم ومُهِمَّاتِهم.
وفي الحديثِ: فضْلٌ ومَنقبةٌ لعَدِيِّ بنِ حاتمٍ الطَّائيِّ رضِيَ اللهُ عنه.
وفيه: ضَرورةُ مَعرفةِ الإمامِ بأحوالِ رَعيَّتِه، ومُعاملتِه كلٍّ منهم على قدْرِ مَكانتِه.
وفيه: مَشروعيةُ زِيادةِ إعطاءِ الإمامِ لسيِّدِ العشيرةِ إذا كان ممَّن ينوبُه الحُقوقُ ويَفِد عليه الوافدون.
وفيه: مَشروعيةُ إعطاءِ الإمامِ للفَقيرِ ما لا يُعطيه للغنيِّ من المادياتِ؛ وإنْ كان الغنيُّ أفضلَ منه في نفْسِه، مع تَرضيةِ الغنيِّ بالأمورِ المعنويةِ.