باب ما يأخذ المصدق من الإبل 1

سنن ابن ماجه

باب ما يأخذ المصدق من الإبل 1

حدثنا علي بن محمد، حدثنا وكيع، حدثنا شريك، عن عثمان الثقفي، عن أبي ليلى الكندي
عن سويد بن غفلة، قال: جاءنا مصدق النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأخذت بيده وقرأت في عهده: لا يجمع بين متفرق، ولا يفرق بين مجتمعخشية الصدقة. فأتاه رجل بناقة عظيمة ململمة فأبى أن يأخذها، فأتاه بأخرى دونها فأخذها، وقال: أي أرض تقلني، وأي سماء تظلني، إذا أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد أخذت خيار إبل رجل مسلم!! (1).

الزَّكاةُ رُكنٌ من أركانِ الإسلامِ، وهي حَقٌّ يُخرَجُ للفُقراءِ مِن أموالِ الأغنياءِ، وقد علَّمَنا النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم شُروطَها وأصنافَها وما يَجِبُ في كلِّ صِنفٍ.
وفي هذا الحديثِ يَقولُ التَّابعيُّ سُوَيْدُ بنُ غَفَلَةَ: "جاءَنا مُصدِّقُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم"، والمصدِّقُ هو جامِعُ الصَّدَقاتِ والزَّكَواتِ، "فأخَذتُ بيَدِه وقرَأتُ في عَهدِه"، أي: أخَذتُ السَّنَدَ الَّذي فيه ذِكْرُ أخذِ الصَّدقةِ ووجَدتُ فيه: "لا يُجمَعُ بينَ مُتفرِّقٍ ولا يُفرَّقُ بينَ مُجتمِعٍ"، أي: لا ينبَغي لِمَالِكَين يَجِبُ على مالِ كلِّ واحدٍ مِنهما صَدَقةٌ، ومالُهما مُتفرِّقٌ بأن يَكونَ لكلِّ واحدٍ مِنهما أربعون شاةً مثَلًا، فتَجِبُ في مالِ كلٍّ منهما شاةٌ واحدةٌ- أن يَجمَعا عندَ حُضورِ المصدِّقِ؛ فِرارًا عَن لُزومِ الشَّاةِ إلى نِصفِها؛ إذْ عِند الجمْعِ يُؤخَذُ مِن كلِّ المالِ شاةٌ واحدةٌ، "ولا يُفرَّقُ بينَ مُجتمِعٍ"، أيْ: ليس لِشَريكَين مالُهما مُجتمِعٌ بأنْ يَكونَ لكلٍّ مِنهُما مئةُ شاةٍ، فيَكونُ عليهما عِندَ الاجتِماعِ ثَلاثُ شِياهٍ- أن يُفرَّقَ مالُهما، فيَكونَ على كلِّ واحدٍ مِنهما شاةٌ واحدةٌ؛ "خَشْيةَ الصَّدقةِ"، أي: لا يُفعَلُ شيءٌ مِن ذلك خوفًا مِن أداءِ الصَّدقةِ والزَّكاةِ، "فأتاه رجلٌ بناقةٍ عظيمةٍ مُلَملَمَةً"، وهي المستديرةُ سِمَنًا مِن اللَّحمِ، وهي مِن أجوَدِ أنواعِ الحيواناتِ "فأبَى أن يَأخُذَها"، أي: فرَفَض جامِعُ الصَّدقاتِ أن يَأخُذَها، "فأتاه بأُخرى دُونَها"، أي: أقَلَّ مِنها في الحَجمِ والجسمِ والجودةِ، "فأخَذَها، وقال: أيُّ أرضٍ تُقِلُّني"، أي: تَرفَعُني فوقَ ظَهرِها، "وأيُّ سماءٍ تُظِلُّني"، أي: توقِعُ علَيَّ ظِلَّها، "إذا أتَيتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم وقد أخَذتُ خِيارَ إبِلِ رجُلٍ مسلِمٍ"، أي: وقد قَبِلتُ وأخَذتُ أفضَلَ ما عِندَه مِن مالٍ أو بَهيمةٍ؟! وهذا كِنايةٌ عن خوفِه الشَّديدِ وتَقديرِه لأوامرِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم.
وقد كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم أمَرَ جامِعِي الصَّدَقاتِ بأن يَتَّقوا كرائِمَ أموالِ النَّاسِ وأفضَلَها، وأمَرَ أصحابَ الأموالِ بألَّا يُخرِجوا أردَأَ ما عِندَهم فتَبيَّن أنَّ الجميعَ مأمورون بأوسَطِ الأموالِ أداءً وقَبولًا.
وفي الحديثِ: بيانُ رفقِ الإسلامِ بالنَّاسِ عِندَ دفْعِ الزَّكَواتِ مع حفظِ حقِّ اللهِ وحقِّ النَّاسِ( ).