باب ما يكره من ثناء السلطان

بطاقات دعوية

باب ما يكره من ثناء السلطان

 عن زيد بن عبد الله بن عمر:
قال أناس لابن عمر: إنا ندخل على سلطاننا فنقول لهم خلاف ما نتكلم إذا خرجنا من عندهم؟
قال: كنا نعدها نفاقا.

كان أصحابُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُعلِّمون مَن أتى بعْدَهم هَدْيَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ويَنشُرون فيهم سُنَّتَه، وكذلك كانوا يُعالِجون ما يُستَحْدثُ مِن أُمورٍ تُخالِفُ سُنَّةَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
وفي هذا الحديثِ يروي محمَّدُ بنُ زَيدِ بنِ عَبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ أنَّ بَعْضَ النَّاسِ أخبروا الصَّحابيَّ الجليلَ عبْدَ اللهِ بنَ عُمرَ رضِيَ اللهُ عنهما: أنَّهم يَدخُلون على الملوكِ والأُمراء فيَمدحونهم ويُثْنُون عليهم، وفي روايةِ أبي يَعْلى في مُسنَدِه: «إنَّا ندخُلُ على الإمامِ يَقضي بالقَضاءِ نراه جَورًا، فنقولُ: وفَّقَك اللهُ»، فإذا خرجوا ذَمُّوهم وشَتَموهم وغيَّروا كَلامَهم، فأجابَهُم ابنُ عُمرَ رضِيَ اللهُ عنهما بأنَّ الصَّحابةَ رضِيَ اللهُ عنهم كانوا يَعُدُّون هذه الفِعلةَ مِن النِّفاقِ؛ وذلك لأنَّهم يُظهِرون لأُمرائِهم خِلافَ ما يُبطِنُون لهم، وقَولُه: «كُنَّا نَعُدُّهَا نِفَاقًا» يحتَمِلُ به عَهْدَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
ولا يُعارِضُه ما في الصَّحيحَينِ أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال للذي استأذن عليه: «بِئْسَ أخو العشيرةِ»، ثم تلقَّاه بوَجهٍ طَلْقٍ وترحيبٍ؛ إذ إنَّه لم يَقُلْ خِلافَ ما قال أوَّلًا؛ إذ لم يَقُلْ بحُضورِه: نِعْمَ ابنُ العَشيرةِ، بل تفضَّل عليه بحُسنِ اللِّقاءِ استِئلافًا، أو كَفَّ بذلك أذاه عن المسلِمين، وحاصِلُه أنَّه حيث ذَمَّه كان لقَصْدِ التعريفِ بحالِه، وحيث تلقَّاه بالبِشْرِ كان لتأليفِه أو لاتِّقاءِ شَرِّه، فما قصَدَ بالحالتينِ إلَّا نَفْعَ المسلِمين.
وفي الحَديثِ: التَّحذيرُ مِن النِّفاقِ وصِفاتِه.
وفيه: الإرشادُ إلى عدَمِ مُنافقةِ الحُكَّامِ بإظهارِ غيرِ الحقيقةِ عِندَهم.