باب ما يكون من فتوحات المسلمين قبل الدجال
بطاقات دعوية
عن جابر بن سمرة عن نافع بن عتبة - رضي الله عنهما - قال كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة قال فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - قوم من قبل المغرب (1) عليهم ثياب الصوف فوافقوه عند أكمة فإنهم لقيام ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاعد قال فقالت لي نفسي ائتهم فقم بينهم وبينه لا يغتالونه قال ثم قلت لعله نجي معهم فأتيتهم فقمت بينهم وبينه قال فحفظت منه أربع كلمات أعدهن في يدي قال تغزون جزيرة العرب فيفتحها الله عز وجل ثم فارس فيفتحها الله عز وجل ثم تغزون الروم فيفتحها الله ثم تغزون الدجال فيفتحه الله قال فقال نافع يا جابر لا نرى أن (2) الدجال يخرج حتى تفتح الروم. (م 8
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُحذِّرُ أُمَّتَه مِن كلِّ شَرٍّ وفِتنةٍ، ويُبيِّنُ لهم بَعضَ مَلامحِ هذه الفِتَنِ؛ حتَّى يَكونوا على وَعْيٍ بها، ويَحفَظوا أنفُسَهم مِن شَرِّها
وفي هذا الحديثِ يَرْوي يُسَيْرُ -وفي رِوايةٍ: أُسَيرُ- بنُ جابرٍ أنَّ رِيحًا حمْرَاءَ، ولعلَّ هذا لاحمرارِ لَونِ السَّماءِ، قدْ هاجَتْ تلك الرِّيحُ بِالكوفةِ -بَلدةٌ مِن بِلادِ العراقِ- فأثارَ هذا الفزَعَ في النُّفوسِ، «فجاءَ رجلٌ ليس له هِجِّيرَى» أي: ليْس شأنُه ودأبُه إلَّا تَكرارَ النِّداءِ على عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رَضيَ اللهُ عنه، قائلًا له: يا عبدَ اللهِ، «جاءتِ السَّاعةُ» أي: قامتِ القيامةُ، وفي رِوايةٍ يَذكُرُ يُسَيرُ أنَّه كان في بَيتِ عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رَضيَ اللهُ عنه، والبيتُ مُزدحِمٌ بمَن عِنده مِن التَّابعينَ ونحوِهم، «فَقعدَ عبدُ اللهِ بنُ مَسعودٍ رَضيَ اللهُ عنه» أي: اعتدَلَ في جِلستِه بعْدَ أنْ كان مُتَّكِئًا، اهتمامًا بالرَّجلِ ولطَمأنَتِه مِن فَزَعِه الَّذي هو فيه، وأخبَرَه أنَّ القيامةَ لا تقومُ حتَّى يَقَعَ مِن عَلامتِها قِتالٌ شَديدٌ يَكثُرُ فيه القتلُ، بحيثُ لا يَرغَبُ أحدٌ في الميراثِ مِن كَثرةِ المقتولِينَ، وحتَّى لا يَفرحَ أحدٌ بِغَنيمةٍ، فلا يَفرَحُ المنتصِرون بما غَنِموا مِن الأموالِ؛ لكَثرةِ القَتْلى في الجيشِ، والغَنيمةُ: هي كلُّ ما أخَذَه المُسلِمونَ مِن أموالِ الكفَّارِ على وَجْهِ الغَلَبةِ والقَهْرِ، ثُمَّ قال ابنُ مَسعودٍ رَضيَ اللهُ عنه بيَدِه هكذا ونحَّاها نحوَ الشَّامِ، يعني: أشار بها في جِهةِ بلادِ الشَّامِ وهي الآنَ تَشمَلُ: سُوريَةَ، والأُردنَّ، وفِلسطينَ، ولبنانَ-، ثمَّ قالَ: «عَدوٌّ يَجمَعونَ» أي: إنَّ هذا العدوَّ يَجمَعُ لِأهلِ الإسلامِ بِالشَّامِ لَمُقاتلَتِهم العتادَ والسِّلاحَ، ويَجمَعُ لهم المسْلِمون أيضًا العتادَ والسِّلاحَ استعدادًا لِقتالِهم ودَفعِهم، ثمَّ أوضَحَ أنَّه يُريدُ بِالعدُوِّ الرُّومَ -وكانت مِن الممالِكِ العظيمةِ آنذاكَ، وهُم الآنَ: إيطاليا وما حَوْلها-، قال: «وتكونُ عند ذاكمُ القتالِ رَدَّةٌ شِديدةٌ»، أي: رُجوعٌ قَويٌّ بعْدَ الفَرِّ، أو تقَعُ صَولةٌ شَديدةٌ، «فَيشترِطُ المسْلِمونَ» أي: يُهيِّئون ويَعدُّون شُرطةً: وهُم طائفةً مِنَ الجيشِ تَتقدَّمُ لِلقتالِ، وتَشهَدُ الواقعةَ؛ سُمُّوا بذلك؛ لأنَّهم كَالعلامةِ لِلجيشِ، والمرادُ مِن اشتراطِها للموتِ أنَّهم يَعزِمون على أنَّ هذه الطَّائفةَ لا تَرجِعُ إلَّا غالبةً، فَيقتَتِلُ المسلمونَ والكفَّارُ حتَّى يَمنَعَ بيْنهمُ دُخولُ اللَّيلِ وظَلامُه فَيترُكونَ القِتالَ، «فَيَفِيءُ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ»، أي: يَرجِعُ كلُّ جَيشٍ مِن المسْلِمين والكفَّارِ إلى مَعسكَرِه، وكلٌّ مِنَ الفريقَينِ غيرُ غالبٍ وغيرُ مَغلوبٍ، وهذا إشارةٌ إلى استمرارِ القتالِ بيْنهم، وتَفْنَى وتَهلِكُ الشُّرطةُ الأُولى في اليومِ الأوَّلِ مِن القتالِ، ثمَّ يَقتتِلون اليومَ الثَّانيَ والثَّالثَ بمِثلِ اليومِ الأولِ، وفي كلِّ يومٍ مِن تلك الأيَّامِ الثَّلاثةِ تَتقدَّمُ طائفةٌ مِن المسْلِمين شَرْطُها الغَلَبةُ والنَّصرُ، فيُقتَلون جميعًا، والحاصلُ أنَّه يَرجِعُ مُعظمُ الجيشِ، وصاحبُ الرَّاياتِ مِنَ الطَّرفَينِ، ولم يكنْ لِأحِدها غَلبةٌ على الآخَرِ، فإذا كان اليومُ الرَّابعُ مِن القتالِ «نَهَدَ إليهم»، أي: نَهَضَ وقامَ إلى قِتالِ الكفَّارِ بَقيَّةُ أهلِ الإسلامِ ممَّن بَقِي مِن الجيشِ، فهَجَموا عليهم جُملةً فَيَجعَلُ اللهُ الدَّبَرَةَ، أي: الهزيمةَ على الكفَّارِ، فيَقتَتِلُ المسْلِمون والرُّومُ مُقاتَلَةً عظيمةً لم يُشاهَدْ أو يُعرَفْ مِثلُها، حتَّى إنَّ الطَّائرَ مِن الطُّيورِ لَيُريدَ المرورَ بِجنباتِهم وبِنَواحِيهم، فَلا يُجاوِزُهم حتَّى «يَخِرَّ»، أي: يَسقُطَ مَيِّتًا؛ لطولِ مَصارعِهم وبُعدِ مَسافتِها. قال: «فَيتعادُّ بَنو الأبِ» الواحدِ مِن المسْلِمين، والمعنى: أنَّه يَحضُرُ الحربَ الجماعةٌ كلُّهم أقاربُ كانوا مائةً، فلا يَبقى منهم إلَّا الرَّجلُ الواحدُ، وهو كِنايةٌ عن قَتلِ أغلَبِهم واستشهادِهم في المعركةِ؛ ولذلك يُعيدُ ابنُ مَسعودٍ قولَه: «فِبأيِّ غَنيمةٍ يُفرحُ؟ أو أيِّ مِيراثٍ يُقسَمُ؟» وقدْ فَقَد الرَّجلُ كثيرًا مِن أهلِه وأقاربِه
فَبيْنَما هُم كذلك إذْ سَمِع المسلمونَ «بِبأسٍ»، وهو الأمرُ الهائلُ، هو أعظَمُ وأكبَرُ مِن حَربِهم الَّتي فَرَغوا منها، فجَاءَهم "الصَّريخُ" وهو صَوتُ المُستصْرِخِ، وهو المستغيثُ، أنَّ الدَّجَّالَ الكذَّابَ قدْ خَرَج وخَلَفَهم في ذَرارِيِّهم، مِن النِّساءِ والأطْفالِ، فلمَّا سَمِعوا بخُروجِه أخَذوا يَترُكونَ ويُلقونَ ما في أَيدِيهم، مِنَ الغنيمةِ وسائرِ الأموالِ؛ فَزَعًا على الأهلِ والعيالِ، ويُقبِلُون ويَتوجَّهونَ إلى الدَّجَّالِ، فَيبْعَثُون، أي: يُرسِلونَ عَشَرَةَ «فَوارسَ»، جمعُ فارسٍ، وهو الرَّاكبُ للفرَسِ، ليَكونوا «طليعةً»: وهو مَن يُبعَثُ لِيطَّلِعَ على حالِ العدُوِّ، كَالجواسيسِ، والمرادُ أنَّ هؤلاء العشَرةَ يَسبِقون الجيشَ ليَطَّلِعوا على الدَّجَّالِ ويُخبِرُوهم بحالِه، قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «إنِّي لَأعرِفُ أسماءَهم»، أي: العَشرةِ وأسماءَ آبائِهِم، وألوانَ خُيولِهم الَّتي يَركَبونَها إلى الدَّجَّالِ، وذَكَر صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في فَضلِهم أنَّهم خيرُ فَوارسَ، أو مِن خَيرِ فَوارسَ على ظَهْرِ الأرضِ يومئذٍ؛ إذ بَعَثوهم طَلِيعةً لهم على الدَّجَّالِ
والدَّجَّالُ مِن الدَّجَلِ، وهو التَّغطيةُ، سُمِّي به؛ لأنَّه يُغطِّي الحَقَّ بباطِلِه، وهو شَخصٌ مِن بني آدَمَ، يَدَّعي الأُلوهيَّةَ، وظُهورُه مِن العلاماتِ الكُبرى ليَومِ القِيامةِ، يَبتَلي اللهُ به عِبادَه، وأَقْدَره على أشياءَ مِن مَقدوراتِ اللهِ تَعالَى: مِن إحياءِ الميِّتِ الَّذي يَقتُلُه، ومِن ظُهورِ زَهرةِ الدُّنيا والخِصْبِ معه، وجَنَّتِه ونارِه، ونَهْرَيْهِ، واتِّباعِ كُنوزِ الأرضِ له، وأمْرِه السَّماءَ أنْ تُمطِرَ فتُمطِرَ، والأرضَ أنْ تُنبِتَ فتُنبِتَ؛ فيَقَعُ كلُّ ذلك بقُدرةِ الله تَعالَى ومَشيئتِه
وفي الحديثِ: دَليلٌ مِن دَلائلِ نُبوَّتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ
وفيه: بيانُ فتنةِ المسيحِ الدَّجَّالِ.
وفيه: بيانُ الملحمَةِ الكُبرى الَّتي تقَعُ قبْلَ الدَّجَّالِ
/ 178)