باب: في قوله تعالى: {والشمس تجري لمستقر لها}
بطاقات دعوية
عن أبي ذر - رضي الله عنه - قال سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قول الله جل وعلا {والشمس تجري لمستقر لها} قال مستقرها تحت العرش. (م 8/ 96 - 97)
قَدَّرَ اللهُ سُبحانَه وتَعالى مَقاديرَ كُلِّ شَيءٍ مِن أوَّلِ الخَلقِ إلى نِهايَتِه
وفي هذا الحَديثِ يَروي أبو ذَرٍّ الغِفاريُّ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سَأَله ذاتَ مَرَّةٍ عِندَما غَرَبَتِ الشَّمسُ: أتَدْري أينَ تَذهَبُ هذه الشَّمسُ بعْدَ اختِفائِها عِندَ الغُروبِ؟ فأجابَ أبو ذَرٍّ رَضيَ اللهُ عنه: اللهُ ورَسولُه أعلَمُ، وهذا مِن أدَبِ أبي ذَرٍّ رَضيَ اللهُ عنه، فلا يَسبِقُ برأْيٍ قبْلَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ووَكَلَ الأمْرَ إلى اللهِ ورَسولِه، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «فإنَّها تَذهَبُ حتَّى تَسجُدَ تَحتَ العَرشِ»، سجُودًا حَقيقيًّا، وهي أيْنما سَجَدتْ سَجَدتْ تَحتَ العَرشِ، فتَستأذِنُ رَبَّها في الطُّلُوعِ مِنَ المَشرِقِ ومُعاوَدةِ سَيرِها مَرَّةً أُخرى، فيُؤذَنُ لها في ذلك، وقدْ قَرُبَ الوَقتُ الذي تَسجُدُ، وتَستأذِنُ في الطُّلوعِ مِنَ المَشرِقِ، فلا يُقبَلُ منها سُجودُها، ولا يُؤذَنُ لها في الطُّلوعِ مِنَ المَشرِقِ، ويُقالُ لها: ارجِعي مِن حيثُ جِئتِ، فتَطلُعُ مِن مَغرِبِها، وذلك مِن عَلاماتِ السَّاعةِ الكُبرى، فذلك هو مَعنى قوله تَعالى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا}، أي: تَتحَرَّكُ وتَسيرُ في طَريقِها المُحدَّدِ لها، ولا تَزالُ تَجري في مَسيرَتِها هذه حتى يَنتَهيَ العالَمُ؛ {ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [يس: 38]، فإنَّها إنَّما تَتحرَّكُ حَرَكَتَها هذه بنِظامٍ دَقيقٍ مُحكَمٍ، يَدُلُّ على وُجودِ اللهِ تَعالى، وتَقديرِه وتَدبيرِه لِهذا العالَمِ تَدبيرًا يَليقُ بعِلمِه وعِزَّتِه وحِكمَتِه
وهذا إثباتٌ لِقَدَرِ اللهِ سُبحانَه، وتَحَكُّمِه في الكَونِ وجَميعِ المَخلوقاتِ، وفيه تَبكيتٌ لِمَن كان يَعبُدُ الشَّمسَ في الدُّنيا؛ لِيَعلَموا أنَّ عِبادَتَهم لها كانت باطِلًا